البحث عن بطل من ورق ؟
في غياب المؤسسات الديمقراطية وسلطة القانون وانتفاء الحاجة للعدالة ببدائل يختزلها الفرد أو مجموعة متسلطة، تبحث قطاعات واسعة من مجتمعاتنا عن رمز أو بطل يملأ تلك الحاجة أو الفراغ الرهيب في تكوينات ومفاصل مجتمعنا النفسية والسياسية. أو ربما البحث عن مارد أو أسطورة من تلك الحكايات التي اختزنتها ذاكرة مجتمعاتنا عبر الأجيال والدهور، وهي تستدعى إلى الذاكرة في كل انكسار أو هزيمة أو ضياع في غياب نظام متطور للحياة الاجتماعية والسياسية وفي حالة فقدان للعدالة الاجتماعية وسلسلة من الهزائم والانتكاسات والكبوات المرة والضربات القاسية التي أدت إلى فيض من الإحباط واليأس من الأنظمة التي تحكم معظم بلداننا في الشرق الأوسط .
هذا التراكم الكمي الكبير من الخذلان والانكسار يأتي أمام طغيان الحيتان وفقدان العدالة الاجتماعية وتسلط القوى الانتهازية وربما هيمنتها على مراكز القرار إلى جانب النظم الشمولية والكولينيالية، دافعا الفرد والمجتمع عموما ( في غياب مفهوم ناضج للمواطنة وتوازن في العلاقة بين الفرد والدولة) إلى البحث الجدي عن مخلص أو منقذ أسطوري أو بطل بأي شكل من الأشكال وأي نوع من الأنواع في محاولة لجبر حالة الانكسار والإحباط ومداراة حالة اليأس والقنوط التي تلازم الفرد والمجتمع عموما.
وفي عملية البحث هذه يتسلق الفرد المنكسر أو المجتمع المحبط أول درجة من درجات أي سلالم تنقذه من هذا التردي المتراكم، وليس اندفاع الكثير وربما معظم وسائل الإعلام العربية ومنتدياتها على ظاهرة الحذاء الذي تحول خلال ساعات إلى رمز من رموز المقاومة والوطنية، وتحول صحفي مغمور إلى شخصية تكاد تنافس عنترة في ذاكرة التراكم ألانكساري إلا دليل هذا الانكماش إلى الداخل والانكسار نتيجة ضغوطات هائلة على تكوينات الفرد والمجتمع النفسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب الاحتلال وما قبل الاحتلال من استلاب وإلغاء وتهميش لكيان الفرد وحريته ومن ثم مصير المجتمع وديمومة حياته حرا خاليا من الأمراض النفسية والسياسية والاقتصادية.
لقد أنتجت هزائم الحروب في اربعينات القرن الماضي الرئيس عبدالناصر ومؤسسات حكمه، كما انتجت هزائم حزيران عام 1967م صدام حسين وحافظ الاسد، واخيرا تنتج ماكنة الهزائم بعد اجتياح لبنان وسقوط بغداد حزب الله وحماس ومن لف لفهما في تخدير شعوب هذه المنطقة وسوقها الى اتون حرب مدمرة وانتكاسة جديدة كما حصل في هزيمة حزيران وحرب الخليج الثانية وسقوط بغداد وتدمير لبنان واخيرا ذبح غزة من الوريد الى الوريد تحت شعاراتهم وعنترياتهم الفارغة التي جاءت كالعادة صدى لتلك الماكنة الاعلامية البائسة التي تستهين بعقل الناس وتحول على شاشات التلفاز تلك الهزائم المخزية الى انتصارات تشبة ذلك الانتصار البائس في حرب الخليج الثانية وجعله ( ام المعارك ) بعد تدمير العراق بالكامل، واعتبار تدمير لبنان انتصار لفرسان الامة ونصر الله؟
إن لجوء الفرد والمجتمع في مثل هكذا أجواء وعلى تراكم من الهزائم والانكسارات وتحت مطرقة أنظمة استبدادية ودكتاتورية إلى البحث عن منقذ أو رمز أو بطل مهما كان حتى لو كان حامي هدف أو مهاجم في ملعب كرة قدم أو الصحفي أبو الحذاء سيستمر طالما كانت الامية والتخلف الحضاري وغياب دولة القانون والعدالة والغاء الاخر ومقارعة الديمقراطية كونها تخالف الشرع وثوابت الشيخ والقرية والعشيرة؟
جريدة التآخي البغدادية