السبت، 28 فبراير 2009

الآخر بين القبول والتصنيع؟

ليست الديمقراطية أقراصا مهدئة أو علاجا سحريا يرمم بناءات المجتمع الاقتصادية والسياسية الآيلة للسقوط والموبوءة بأمراض تكلست عبر أزمان ودهور ومناهج تربوية أكل عليها الزمان وشرب، بل هي ممارسة وسلوك ومنظومة أخلاقية لا يمكن حصرها بتداول السلطة السياسية فقط وهي بالتالي امتداد لتحضر المجتمعات وتقدمها في كل مضامير الحياة بدءً من القراءة والكتابة والتحول من البداوة إلى المدنية وصولا إلى أعلى مراتب التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
وتبدو موضوعة قبول الآخر واحدة من أهم مرتكزات الديمقراطية وممارساتها على الصعيدين الاجتماعي والسياسي وهي بذاتها العلة الأكثر تعقيدا وربما السبب الأكثر خطورة في ضآلة فرص نجاح معظم التجارب السياسية التي مرت وتمر بها منطقة الشرق الأوسط عموما والمحيط العربي خاصة وهي بالتالي سببا رئيسيا لنكوص المجتمعات وبطئ تقدمها.
إن مسألة قبول الآخر والتعاطي معه هي الأخرى ليست وصفة جاهزة للتنفيذ والأخذ بها بقدر ما هي نتاج نظام تربوي وأخلاقي واجتماعي تتميز به المجتمعات المتقدمة التي ينسجم فيها البناء الفردي والمجتمعي بما يحفظ حقوق الاثنين ومصالحهما وتتوازن فيها مصالح البلاد العليا مع مصالح الفرد المواطن دون ما تمييز في العرق أو الدين أو الرأي، وهي بالتالي معادلة قيام الدول المتحضرة ومجتمعاتها المتقدمة.
إنها بحق عملية تربوية وأخلاقية تبدأ من الأسرة ومن ثم المدرسة ومناهج التربية والتعليم وصولا إلى الجامعات و مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، وفي كل ذلك تحتاج عملية التحديث هذه إلى دور الأم والأب والمعلم بدرجة أساسية لوضع أسس صحيحة لزرع مفاهيم البناء الديمقراطي للمجتمع ومنها بالتأكيد المرتكز الأساسي الأكثر أهمية وهو قبول الآخر.
لقد اعتادت معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه المنطقة وغيرها من العالم المولعة بالشموليات والاوحديات أن تبتكر نماذج من الديمقراطية وتمنحها أسماء وأصناف ومواصفات بحسب موديلات تلك الأنظمة وطبيعة سلوكها حيث ذهبت الكثير من هذه الأنظمة إلى ابتكار أنواع وأصناف من الديمقراطية للالتفاف حول مفهومها الأصلي في تداول سلمي للسلطة وقبول الآخر واحترام الرأي المختلف، وهي بالتالي تنتج ( آخرا ) حسب ما يتوافق مع نظامها لتزين به تجاربها السياسية وأنظمة حكمها الاستبدادية، ولعلنا نتذكر تلك الأحزاب والجمعيات التي تصنعها دوائر المخابرات لتزين بها جبهات وطنية تدعي قيادتها للدولة كما عمل النظام السابق ( وأشباهه ) في تكتيكاته بتصنيع ما كانت تسمى بالجبهة الوطنية والتقدمية ومن ثم الالتفاف على عناصرها الأصلية ومحاولة إفراغها وتصنيع ( آخر ) حسب القياسات والمواصفات المطلوبة من النظام الحاكم وتزيين عمليته السياسية بأحزاب و( آخرٍ ) مدجن بموجب ما تقتضيه مصالح النظام والثقافة الأحادية.
وإزاء هذا الإرث والتراكمات المتكلسة من مجموعة القيم التي كرستها الأنظمة السابقة سياسيا واجتماعيا ونفسيا، تحتاج مجتمعاتنا إلى تحديث شامل للنظام التربوي ومناهجه وعناصره في كافة المراحل، وإحداث تغييرات نوعية في بنية المجتمع وتوجهاته وفصل الدين عن الدولة وإعطاء المرأة دورها الأساسي الفاعل في تطوره وانتقاله من ثقافة القرية والبداوة إلى الثقافة المدنية والسلوك الديمقراطي وقبول الآخر.
عن جريدة التآخي البغدادية

تداول السلطة والقطار الديمقراطي

هل يتجه العراقيون فعلا إلى ترسيخ القيم الديمقراطية وقبول الآخر أم انه هناك سلوك آخر وربما أهداف أخرى تختبئ وراء كواليس أو طوابير الواقفين أمام صناديق الاقتراع منذ أكثر من خمس سنوات؟
هل أن ما يجري يؤشر تغيرا نوعيا في نمط التفكير والسلوك لدى النخب السياسية والاجتماعية أم انه استخدام لوسيلة من وسائل تداول السلطة بعد انعدام فرصة ركوب كرسي الحكم بالانقلابات المتعارف عليها في بلداننا؟
وسواء كانت الإجابة على السؤالين سلبا أم إيجابا فإننا إزاء عملية تحول مهمة أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات بصورتين تكاد تكونا مختلفتين عن بعضهما ومتقاربتين في فلسفتيهما السياسية.
الأولى هي استخدام الآخر وسيلة تداول السلطة عن طريق طوابير الناخبين وصناديق الاقتراع، وهو نفسه أي هذا الآخر هنا الذي وقف ضد العملية السياسية برمتها منذ الاحتلال وسقوط النظام الشمولي السابق وادعائه إن كل المؤسسات التي قامت بعد سقوط نظام صدام حسين بما فيها مجالس المحافظات ومجلس النواب والحكومة والرئاسة هي مؤسسات غير شرعية وعميلة للاحتلال، ورغم أنها كانت تعمل من خلال كثير من الكتل والأحزاب في الساحة السياسية التي اخترقتها تحت مسميات كثيرة مسلحة وغير مسلحة تحت عباءة المقاومة والتحرير بميكافيلية عالية جدا، إلا أنها دخلت هذه المرة إلى عربات القطار الديمقراطي للوصول إلى ذات الهدف الذي كان يوصلها اليه قطار الليل أو الانقلابات في ما مضى من فلكلورنا السياسي؟
وهنا أيضا علينا أن نسأل هل جرى تحولا نوعيا في تفكير هذه القوى ورؤيتها للأحداث والمتغيرات في ما حولها أم انه تكتيك آخر للوصول إلى السلطة والعودة إلى صناعة الماضي بأسلوب آخر، خصوصا وهي مصرة حتى الآن على ثوابتها وشعاراتها القديمة والمجملة أو المعطرة بالوسيلة الجديدة في تداول السلطة ولو إلى حين تمكنها من ذلك؟
وليس أدل على انتمائها لشعارات الماضي إلا تشبثها بأوحدية القائد شخصا كان أم حزبا ممثلا بقومية سائدة أو مذهب بذاته، وليس غريبا أن تعتبر هذه القوى كل ما مضى في تاريخنا السياسي قبل الاحتلال وسقوط النظام انجازات كبيرة بل مكاسب شعبية عظمى وعليه فليست جرائم الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وتهجير مئات الآلاف من العراقيين داخل وخارج البلاد سوى تشدد في ممارسة الحكم أو مجرد أخطاء عابرة سببها الضحايا الذين نفذت بهم الأحكام، فهي لا ترى في كل ذلك إلا ردود فعل من النظام وليس لها أي تعريف مغاير لتعريفات النظام السابق لسياسات التهميش والإقصاء والتعريب والتغيير الديموغرافي للمدن والقصبات!؟
والصورة الثانية هي عمليات تكثيف السلطات وتركيزها وشخصنتها باستخدام ذات الأساليب الإعلامية والنفسية في تصنيع القيادات الاوحدية واستخدام وسائل السلطة وخيراتها في شراء ذمم تكوينات عشائرية إما بالمال أو التعبئة الانفعالية باستخدام الشد القروي والقبلي لدى هذه التكوينات التي استخدمها النظام السابق بذات الأسلوب والنهج طيلة عقود.
والغريب أنها تستخدم الاستمالة الاستجدائية بمعاداة طرف آخر إلى حد إلغائه أو تهميشه على ذات الخلفية التي اعتمدت لعشرات السنين.والعجيب أن الاتجاهين رغم اختلافهما نظريا إلا إنهما ينشدان نفس الهدف ويستخدمان ذات الأساليب للوصول إلى دفة الحكم والاستئثار بمقاليد السلطة والقرار مما يؤشر اتجاها تدريجيا إلى إعادة تكثيف القوة والسطوة وتركيزها ولكن هذه المرة باستخدام قطار الديمقراطية الليلي.
عن ايلاف

النظم السياسية والاصولية الدينية

تتميز معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط والدول العربية خاصة بكونها تدعي استمداد قوتها وتعاليمها وشرعيتها من السماء، بمعنى أن النظام السياسي ومن يقوده إنما هو مرسل إما نعمة من نعم السماء ( كما وصف ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث الرئيس العراقي السابق صدام حسين ) أو ربما يتمادى الكثير منهم فيعتقدون بأنهم جزء من ألذات الإلهية أو ربما كلها، ويتصرفون في حكمهم وكأنهم فعلا آلهة أو على أقل تقدير فأنهم يمثلون الرب في حكمهم للعبيد من الجماهير المناضلة ( كما أراد أن يوحي للناس نائب رئيس النظام السابق عزة الدوري في توصيفاته لرئيسه صدام )، ومن هذا المنطلق والتصور وعلى هذا الأساس يتم بناء الحلقات والدوائر المحيطة بالرئيس القائد أو بالملك المعظم والمفدى أو بالأمير العظيم، من فرق الحماية والحرس الملكي والجمهوري والمؤسسات الأمنية والمخابراتية المدربة بشكل عال لقمع أي تحرك للشعوب المستعبدة في تلك الدول، وتسخير كل إمكانيات الدولة والجيش والنفط وأي شيء آخر تمتاز به دولهم من اجل الإبقاء على القائد والنظام ومنظومته سواء كانت حزبا طليعيا يدافع عن الأمة ومستقبل قائدها أو حاشية لا تقل شأنا عن فعالية أي حزب طليعي مثل رفاقنا التقدميين جدا أو وكلاء الأنبياء والرسل وممثلي الملائكة على الأرض أو من لديهم تفويض رباني أو تاريخي ليقود الأمة إلى الوحدة أو إلى جنان الخلد.
وعلى أساس هذه الخلفية المقدسة للرئيس القائد أو الملك العظيم والمفدى أو الفارس الأوحد ( عقلية شيخ العشيرة والقرية ) لا يمكن لأي فرد أن يخالفه في رأيه وفلسفته ونظرته للحياة لأنها تطبق نظاما إلهيا وبرنامجا تاريخيا، كما لا يمكن ويعتبر من المحرمات القاتلة التعرض إلى ذات الرئيس أو الملك بأي شكل من الأشكال إلا المديح والتأليه ( في العراق كان هناك قانون يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد لمن يتعرض إلى الذات الرئاسية، بينما يحكم بالسجن ثلاث سنوات من يتعرض للذات الإلهية!؟ )، كما لا يمكن لأي قوةٍ معارضة أن تزحزحها عن عرشها لكون بنائها اعتمد نظاما ربانيا في التصور والسلوك والقدسية كما كان في العراق وما هو موجود ربما بدرجات اقل أو أكثر في بقية الدول العربية والإسلامية.
إن معظم أنظمة الشرق الأوسط السياسية جزء من هذه المنظومة الشمولية المعقدة في تركيباتها السياسية والاجتماعية والمتناغمة مع الحركات الأصولية في المضامين والسلوكيات أيضا وان اختلفت سطحيا فأنها تلتقي استراتيجيا وفي محطات معروفة لدى كل سكان الشرق الأوسط في كيفية استخدامها للدين كوسيلة دفاعية أو هجومية حينما يضيق عليها الخناق، ولذلك ترى تعاطفا واسعا مع كثير من الحركات الأصولية المتطرفة من قبل تلك الأنظمة وربما يصل التعاطف الى درجة المشاركة الفعلية بكل نشاطاتها الجهادية التي يتم تنفيذها كل يوم وفي معظم أنحاء المعمورة، والعجيب إن معظم قادة هذه الدول لديهم ( تخويل سماواتي ) أو نبوي رسالي امتدادا للأنبياء والرسل، والأكثر غرابة إنه ليس هناك رئيس واحد إلا وادعى إن جده رسول الله أو يحمل توصية رسالية أو ربانية لهذه الأمة أو ربما جاء ليكمل المسيرة كما كان رئيسنا السابق وأقرانه من القادة الميامين(!).
ولعل الكثير من أئمة الجوامع والعديد ممن يدعون أنهم علماء دين يمثلون امتدادا لأولياء أمورهم من القادة العظام رؤساء كانوا أم ملوكا في وعظهم وخطبهم وتدليسهم لأولياء نعمتهم وإشاعتهم الكراهية والأحقاد وتحريضهم على القتل والإرهاب كما جاء في دعوة أكثر من ثمانين عالما وأستاذا جامعيا في إحدى الدول المجاورة للعراق لإباحة الجهاد فيه والإفتاء بقتل الكورد والشيعة، وتشير إحصائيات وزارتي الداخلية والدفاع إن معظم الانتحاريين هم من هذه الدولة إضافة إلى سوريا ودول شمال افريقيا واليمن وفلسطين وايران.إن مؤسسات هذه الأنظمة والدول الفقهية والكثير من أساتذة جامعاتها الدينية وأجهزة إعلامها تقوم بإصدار وترويج عشرات الفتاوى التي تبيح قتل الكورد والشيعة والديمقراطيين والليبراليين واعتبار العلمانيين أناسا ملحدين يقام عليهم الحد بالسيف.
وما عمليات الإبادة الجماعية للسكان المدنيين في العراق أو أفغانستان أو حتى اوربا كما حصل في قطارات لندن ومدريد والتي تقام بذريعة الجهاد في سبيل الله واعتبارهم أي أولئك الذين يصادف قتلهم في موقع الانتحار الجهادي شهداء من الدرجة الثالثة أو ربما الخامسة إلا نتاجا لتلك الثقافة التي دفعت مئات من الشباب والمراهقين والمحبطين والمرضى في البلدان العربية وغيرهم من المسلمين إلى التحول إلى قنابل شديدة الانفجار لقتل اكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء والمدنيين عموما من العراقيين وغيرهم، ليذهبوا بعدها إلى الآخرة ويتناولوا الغداء أو العشاء مع الرسول(ص) أو الملائكة (؟) كما يدعون وكما يلقنون ضحاياهم مثل ما جاء في اعترافات كثير من الإرهابيين المعتقلين قبل تنفيذ جرائمهم، في أكبر عملية كذب على الإسلام ورسوله الكريم وعملية تشويه لدين اعتمد مبدأ المساواة والتسامح.
عن صوت العراق

العراق والمواطنة

لقد أعتقد البريطانيون في وقت مبكر من القرن الماضي انعدام مفهوم المواطنة لدى معظم سكان العراق أو ربما هشاشته مقارنة مع مناطق أخرى من العالم الذي كان ما يزال ( ينعم ) بشمس جلالة الملكة التي لا تغيب، وإن سكان هذه الولايات الثلاث ( بغداد والبصرة والموصل ) تنتمي إلى عشائرها ومناطق سكناها ( قرى ومدن ) أكثر من انتمائها إلى مفهوم الشعب والوطن العراقي، وليس أدل على ذلك من عجزهم في العثور على مرشح متفق عليه لعرش مملكة العراق المزمع إنشاؤها بعد احتلاله لبلاد ما بين النهرين الذي خرج للتو من تحت عمامة دولة بني عثمان.
فلم تتفق العشائر والبيوتات في الولايات الثلاث على ملك يعتلي العرش لوطن يؤسس للتو بين هذه الولايات ومكوناتها، فكل عشيرة أو مدينة كانت تصر على أن يكون العرش من نصيبها، مما دفع الإدارة البريطانية إلى استيراد ملك من ارض نجد والحجاز ومن بيت عتيق لا تختلف عليه العشائر والمدن والقرى وهو الملك الهاشمي الشريف فيصل الأول، الذي أدرك منذ بداية توليه إدارة هذه البلاد مكوناتها وطوائفها وأنها ليست شعبا واحدا بل شعوبا وقبائلا، أديانا ومذاهب، في أول إطلالة له على تركيبة العراق ومكوناته العرقية والدينية والمذهبية.
ورغم هذا التنوع والاختلاف قرر البريطانيون تأسيس مملكة العراق من هذه الشعوب والقبائل التي أرادت لها الإدارة البريطانية أن تكون واحدة من مستعمراتها تحت الانتداب، وزعمت إن ملكا هاشميا سيوحدها وسيخلق انتماءً لهذا الكيان بصرف النظر عن القرية والعشيرة والمكان، رغم شكوك الكثير من الساسة الانكليز بإمكانية توحيد هذه المكونات العرقية والدينية تحت عرش الملك الهاشمي.
وطيلة ما يقرب من ثمانين عاما لم تنجح كل الأنظمة السياسية التي توالت على حكم العراق من الاتفاق على تعريف موحد لمفهوم المواطنة الذي يرتقي بالانتماء للعراق أولا وأخيرا واعتبار الانتماء العرقي والديني مسالة شخصية لا علاقة لها بارتباط الفرد بالأرض والوطن، وخلال هذه العقود الطويلة سادت أنظمة سياسية كانت تمثل في معظمها عرقا واحدا ومذهبا دينيا من دون غيره في مفاصل القرار الرئيسية، وهي الأخرى سحقت تحت عجلات انقلاباتها تلك الطبقة المتوسطة في المدن لتسهل انتقال القرية تماما إلى مراكز القرار والقيادة والتوجيه مما قزم العراق إلى قرية صغيرة ومكوناته الى حزب سياسي بحسب انتماء رئيس الجمهورية وأصوله أو الحزب وإيديولوجيته كما فعلت مجموعة النظام السابق القبلية.
وليس ما حصل خلال ما يقرب من أربعين عاما في اختزال بلد من اعرق البلدان وشعوب من اعرق شعوب المعمورة في أصولها وحضاراتها في قرية وعشيرة تكاد تكون من اصغر القرى والعشائر قاطبة في العراق الا دليلا على ذلك وسببا رئيسيا لما آلت إليه الأمور بعد احتلال العراق وهزيمة نظامه السياسي وسقوط كثير من المفاهيم والثوابت ولعل أهمها موضوعة الانتماء والمواطنة، حيث ظهرت الانتماءات القروية والقبلية اقوى مما كانت عليه حتى في أول مراحل تأسيس الدولة العراقية إضافة إلى احتدام الصراع المذهبي إلى درجة الاقتتال والتذابح حد الإبادة والتطهير في كثير من الأماكن من العاصمة وفي أطرافها، ومن ثم تسلط الانتهازيين والنفعيين وانصاف الاميين والجهلة على مقاليد الامور في كثير من مفاصل الدولة مما أدى الى تداعي الاوضاع الاجتماعية واختزال الوطن ثانية في قرية وعشيرة أو مذهب أو اجندة لا علاقة لها بالوطن او الشعب.لقد فشلت الانظمة الشمولية وحروبها الاربع من أن تنتج مفهوما للمواطنة والانتماء بعيدا عن القرية والعشيرة والعرق والدين، فهل سينجح النموذج الحالي، وهل هذه الهجمة الشرسة عليه منذ قيامه تؤشر الخشية من نجاحه؟السنوات القادمة ربما ستمنحنا اجابات كثيرة!

عن الحوار المتمدن