تتميز معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط والدول العربية خاصة بكونها تدعي استمداد قوتها وتعاليمها وشرعيتها من السماء، بمعنى أن النظام السياسي ومن يقوده إنما هو مرسل إما نعمة من نعم السماء ( كما وصف ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث الرئيس العراقي السابق صدام حسين ) أو ربما يتمادى الكثير منهم فيعتقدون بأنهم جزء من ألذات الإلهية أو ربما كلها، ويتصرفون في حكمهم وكأنهم فعلا آلهة أو على أقل تقدير فأنهم يمثلون الرب في حكمهم للعبيد من الجماهير المناضلة ( كما أراد أن يوحي للناس نائب رئيس النظام السابق عزة الدوري في توصيفاته لرئيسه صدام )، ومن هذا المنطلق والتصور وعلى هذا الأساس يتم بناء الحلقات والدوائر المحيطة بالرئيس القائد أو بالملك المعظم والمفدى أو بالأمير العظيم، من فرق الحماية والحرس الملكي والجمهوري والمؤسسات الأمنية والمخابراتية المدربة بشكل عال لقمع أي تحرك للشعوب المستعبدة في تلك الدول، وتسخير كل إمكانيات الدولة والجيش والنفط وأي شيء آخر تمتاز به دولهم من اجل الإبقاء على القائد والنظام ومنظومته سواء كانت حزبا طليعيا يدافع عن الأمة ومستقبل قائدها أو حاشية لا تقل شأنا عن فعالية أي حزب طليعي مثل رفاقنا التقدميين جدا أو وكلاء الأنبياء والرسل وممثلي الملائكة على الأرض أو من لديهم تفويض رباني أو تاريخي ليقود الأمة إلى الوحدة أو إلى جنان الخلد.
وعلى أساس هذه الخلفية المقدسة للرئيس القائد أو الملك العظيم والمفدى أو الفارس الأوحد ( عقلية شيخ العشيرة والقرية ) لا يمكن لأي فرد أن يخالفه في رأيه وفلسفته ونظرته للحياة لأنها تطبق نظاما إلهيا وبرنامجا تاريخيا، كما لا يمكن ويعتبر من المحرمات القاتلة التعرض إلى ذات الرئيس أو الملك بأي شكل من الأشكال إلا المديح والتأليه ( في العراق كان هناك قانون يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد لمن يتعرض إلى الذات الرئاسية، بينما يحكم بالسجن ثلاث سنوات من يتعرض للذات الإلهية!؟ )، كما لا يمكن لأي قوةٍ معارضة أن تزحزحها عن عرشها لكون بنائها اعتمد نظاما ربانيا في التصور والسلوك والقدسية كما كان في العراق وما هو موجود ربما بدرجات اقل أو أكثر في بقية الدول العربية والإسلامية.
إن معظم أنظمة الشرق الأوسط السياسية جزء من هذه المنظومة الشمولية المعقدة في تركيباتها السياسية والاجتماعية والمتناغمة مع الحركات الأصولية في المضامين والسلوكيات أيضا وان اختلفت سطحيا فأنها تلتقي استراتيجيا وفي محطات معروفة لدى كل سكان الشرق الأوسط في كيفية استخدامها للدين كوسيلة دفاعية أو هجومية حينما يضيق عليها الخناق، ولذلك ترى تعاطفا واسعا مع كثير من الحركات الأصولية المتطرفة من قبل تلك الأنظمة وربما يصل التعاطف الى درجة المشاركة الفعلية بكل نشاطاتها الجهادية التي يتم تنفيذها كل يوم وفي معظم أنحاء المعمورة، والعجيب إن معظم قادة هذه الدول لديهم ( تخويل سماواتي ) أو نبوي رسالي امتدادا للأنبياء والرسل، والأكثر غرابة إنه ليس هناك رئيس واحد إلا وادعى إن جده رسول الله أو يحمل توصية رسالية أو ربانية لهذه الأمة أو ربما جاء ليكمل المسيرة كما كان رئيسنا السابق وأقرانه من القادة الميامين(!).
ولعل الكثير من أئمة الجوامع والعديد ممن يدعون أنهم علماء دين يمثلون امتدادا لأولياء أمورهم من القادة العظام رؤساء كانوا أم ملوكا في وعظهم وخطبهم وتدليسهم لأولياء نعمتهم وإشاعتهم الكراهية والأحقاد وتحريضهم على القتل والإرهاب كما جاء في دعوة أكثر من ثمانين عالما وأستاذا جامعيا في إحدى الدول المجاورة للعراق لإباحة الجهاد فيه والإفتاء بقتل الكورد والشيعة، وتشير إحصائيات وزارتي الداخلية والدفاع إن معظم الانتحاريين هم من هذه الدولة إضافة إلى سوريا ودول شمال افريقيا واليمن وفلسطين وايران.إن مؤسسات هذه الأنظمة والدول الفقهية والكثير من أساتذة جامعاتها الدينية وأجهزة إعلامها تقوم بإصدار وترويج عشرات الفتاوى التي تبيح قتل الكورد والشيعة والديمقراطيين والليبراليين واعتبار العلمانيين أناسا ملحدين يقام عليهم الحد بالسيف.
وما عمليات الإبادة الجماعية للسكان المدنيين في العراق أو أفغانستان أو حتى اوربا كما حصل في قطارات لندن ومدريد والتي تقام بذريعة الجهاد في سبيل الله واعتبارهم أي أولئك الذين يصادف قتلهم في موقع الانتحار الجهادي شهداء من الدرجة الثالثة أو ربما الخامسة إلا نتاجا لتلك الثقافة التي دفعت مئات من الشباب والمراهقين والمحبطين والمرضى في البلدان العربية وغيرهم من المسلمين إلى التحول إلى قنابل شديدة الانفجار لقتل اكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء والمدنيين عموما من العراقيين وغيرهم، ليذهبوا بعدها إلى الآخرة ويتناولوا الغداء أو العشاء مع الرسول(ص) أو الملائكة (؟) كما يدعون وكما يلقنون ضحاياهم مثل ما جاء في اعترافات كثير من الإرهابيين المعتقلين قبل تنفيذ جرائمهم، في أكبر عملية كذب على الإسلام ورسوله الكريم وعملية تشويه لدين اعتمد مبدأ المساواة والتسامح.
عن صوت العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق