الأربعاء، 6 يونيو 2012

{Shehryar} العراق والديـــكتاتور


العراق والديـــكتاتور !!
د. طالب الرماحي
http://www.shorouknews.com/uploadedimages/Sections/ART/Cinema/original/sasha.jpg
 العراق والديـــكتاتور !!
د. طالب الرماحي
من يدلني على حاكم استطاع أن يكبح في داخله جماح غريزة التسلط وحب المنصب وجمع المال والميل للمقربين وتفضيل شرار حزبه على خيار قومه ، من يفعل ذلك وأمنحه  ما يعادل ( جائزة نوبل ) . نعم ارشدوني لمثل ذلك الرجل منذ وفاة النبي صلى الله عليه وآله ولحد هذا اليوم ما عدا الإمام علي عليه السلام ، فهو استثناء من هذه القاعدة ، وليس في وسع أحد أن لا يقول ذلك حتى أعدائه يشهدون له في السير على ( المحجة البيضاء ) في الحكم وخارجه . وهو القائل لابن عباس : إنّ إمرتكم هذه لا تساوي شسع نعلي ما لم أقم بها عدلا وأدفع  باطلا .
أنا واثق أنكم لاتستطيعون ذلك ، لأنه لايتوفر مثل ذلك الإنسان في هذا الزمان ولا في مستقبله حتى قيام دولة العدل الإلهي . وأعتقد أن ذلك مستحيلاً في بلاد الشرق الأوسط على أقل تقدير ، أو قبل أن تتدرج شعوبنا وكما فعل الأوربيون  شيئا فشيئاً في خلق وعي شعبي تستطيع من خلاله حمل النفوس ( حملاً ) على تقبل عقد اجتماعي يحفظ للجميع حقوقهم ، ويقيد الحاكم بقيود ذلك العقد ، من خلال قوانين صارمة تجرد الحاكم أيضا من مشاعر التعالي على مواطنية وتشعره بخطر المحاسبة أزاء أي ذنب يقترفه أو تقصير ينتابه في أداء واجباته .
واعلموا أن الله سبحانه وتعالى مدرك لهذه الحقيقة ، حقيقة أن ليس في وسع أحدنا مؤمنا كان أو فاسقا من أن يقيم عدلاً أو أن يغلَّب مصالح غيره على مصلحته ، ولذلك فقد جعل الولاية على الناس بالنص بعد وفاة رسوله الكريم ، وهذا يعني أن المنصوص عليه في تولي الولاية أو الخلافة معصوما من الزلل والخطل والذنب ، أي مطيع لأمر مولاه ومخالف لهواه ، وكانت رحمة الله بنا ورأفته هي التي رسمت لنا ذلك الطريق الإلهي ، يقودنا فيه إثنا عشر إماماً مسددا من الله ، وفي فترة  ( 250 عاماً ) هي كافية لتسموا بالبشرية إلى منزلة السلام والوئام ، ولخلق مجتمع إنساني  شبه متكامل تغلب عليه الرحمة ، بيد أن إرادة البعض لم يرق لها ذلك ، فسلكت طريقا أخرى هذا الذي نسلكه الآن ، وما يريد الله أن يجبر الأمة على خيار ما ، وقد بين لها الحق بأنصع صوره وحذرها من الباطل بما يكفي على لسان نبيه وقرآنه ، وهذه سنة لله فيها حكمةٌ ، قد يقصر فهمنا على معرفتها .
ربما يبادر أحدكم فيتساءل ويقول : أن في الغرب ما تطلب ، فها هي المجتمعات الغربية تنعم بالأمن والأمان ، الإنسان فيها مصانة  كرامته ، محفوظة حقوقه ، من ولادته وحتى وفاته . وهذه ملكة بريطانيا تحتفل باليوبيل الماسي لمرور 60 عاما على تنصيبها ، ونرى الملايين من شعبها يحتفلون ويعبرون بصدق عن حبهم وولائهم لها وهم جميعا راضون سعداء ، وهذا رئيس حكومتها ديفيد كاميرون يمارس عدلاً ولم يسرق أو يتجاوز على فقراء قومه وينهب عقارات الدولة . أقول نعم صحيح كل ذلك لكن أريد أن أؤكد أن السبب في صلاح الملكة ورئيس وزرائها لايكمن في طبيعة شخصيهما ، لكن هناك سياقا قانونيا فرض عرفا إنسانيا أجبر الملكة على أن تسير في طريق كله خير لها ولشعبها ، فهي في قوانين المملكة المتحدة ( تملك ولا تحكم ) القانون يقول لها أن لاتحكم وقد أجبرها أن تنصاع لهذا الوفاق أو قل العقد بينها وبين عموم الشعب البريطاني ، ولو أنها حاولت أن تخرج من إطار ذلك العقد لما تسنى لها أن تبقى ملكة يوما إضافيا واحدا ، ولو شعرت تلك الملايين التي خرجت تحتفل بتنصيبها وتفخر بها ، أن ملكتهم أخلت بذلك العقد لخرجوا جميعا لها بالبيض الفاسد ولألقوا بها في نهر( التايمز ) ، وهم يفعلون ذلك ليس حبا في الانتقام منها وأنما حبا في الحفاظ على القانون الذي صان كرامتهم وحفظ حقوقهم ، ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون ليس مشبعا بالمباديء الإنسانية والقيم الإخلاقية أكثر من طارق الهاشمي رئيس الحزب الإسلامي السني ولا السيد نوري المالكي الذي أمضى حياته ينهل من قيم أهل البيت ويقود حزبا إسلاميا شيعياً كان من المفترض أن يكون مدرسة إنسانية وأخلاقية للمجتمع ، فرئيس الوزراء البريطاني مسيحيا ولعله غير ملتزم دينيا ، لكننا نرى سلوكه كحاكم ما يجعله جديرا بالحب والاحترام من قبل شعبه ،  فهو مفعم بالإخلاص والشفافية والتواضع والعدل وبالزهد في السلطة ، لكننا لا نرى كل تلك الصفات التي نحلم بها لدى رموزنا السياسية التي تسلمت زمام أمورنا ، مع أنهم أبناء الإسلام وخريجي مدرسة أهل البيت ، إنهم غارقون في الدنيا بعيدون عنا همهم مصالحهم  الذاتية . فلماذا إذن هذا التباين بين الطرفين ، فهما متناقضان مع واقعيهما وذاتيهما ، مسيحي لايمتلك وزاع ديني لكنه يتسامى بين مواطنيه لتفانيه وإخلاصه . ومسلم تخرج من مدارس النبل والأخلاق ينحدر إلى وضع يشعر معه مواطنيه بالقرف لتهالكه على الدنيا والمناصب  ويستسيغ حتى سرقة قوتهم ؟ .
أقول أن في هذه الحياة (مواقعاً)  ليس في وسع المرء أن يمسك فيها زمام نوازعه  مؤمنا كان أو فاسقا مسلما أو مسيحيا وأخطر تلك المواقع هي ( المناصب الحكومية الرفيعة ) ، فكلما شعر المرء في تلك المواقع أن لاسلطان عليه تمردت نوازعه النفسية حتى تصل إلى درجة الطغيان ، وفيها يصبح المرء خطرا على نفسه لأنه يخرج عن إطار آدميته وينصهر في أنانيته وحبه لذاته ، وخطرا على مجتمعه فهو يرى مواطنيه كما يرى الفيل اسراب الجراد من حوله فلا يقيم لهم وزناً ، وإذا ما شعر بأي خطر على موقعه فلا يتأخر في أن يحرك خرطومه ليتلف منهم ما يستطيع إتلافه حفاظا على ذاته ولذَّاتها .      
هذه الحقيقة قد أدركتها الشعوب الغربية ، وناضلت طويلاً من أجل الخلاص منها ، فالنفس البشرية أنى كانت هي أسيرة لنوازعها وحبها لذاتها ، فتخلصت تلك الشعوب أولاً من الوصاية الدينية التي كانت وما زالت وسيلة لخداع البسطاء والتلاعب بعقولهم ، واستهلاك أموالهم  فكانت الثورة ( اللوثرية ) في القرن السادس عشر التي ازاحت الكنيسة واللاهوت عن طريق تقدم الشعوب ، ثم وضع فلاسفتهم وعلماء الاجتماء الكثير من الدراسات التي انتهت إلى صياغة ( العقد الاجتماعي ) ومنهم جان جاك روسو ومن قبله جون لوك وهوبز ، عقدٌ نظَّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ووضع الأسس التي ارتكزت عليها الديمقراطية وحكم الشعب .
أن العاقل الذي يراقب المشهد السياسي في العراق ، وطبيعة تركيبة الحكم ضمن إطار ما يطلق عليه بالمحاصصة أو الشراكة ، وما يرافقها من نهب للثروة الوطنية وبالشكل الذي بدا فيه الوطن وكأنه ضيعة بلا مالك وأمواله مستباحة ، سراقه حراسه ، وناهبيه أصحاب الوصاية عليه ، أقول أن العاقل سوف يخلص إلى أن ما يطلق عليه بالديمقراطية هي مجرد ( كذبة كبيرة ) ، فالعراق ما زال يعيش حالة من الفوضى السياسية ، وهو لم يزل بلا قانون يردع من يريد أن يتجاوز على كرامة هذا الشعب ، وثمة دليل حجمه بحجم العراق أن الذين سرقوا ثروة العراق وحرموا أهله من أبسط الخدمات هم من يحكم العراق اليوم ، وهم من يمارس عمليه استنزاف ثروته ، وهم الذين يمتلكون آلية شيطانية للتستر على السراق ، بدليل أن الكل يعترف بوجود الفساد وسرقة المال العام ، والحكومة ذاتها تمارس دورا منافقاً في هذا الإطار ، لكنها وهي المسؤولة شرعا وقانونا عن حماية الثروة وحقوق مواطنيها لم تحل سارقا واحدا إلى القضاء ، وهذا من أكبر الأدلة  ، أنها شريك كبير وخطير في تلك السرقات .
إذن الشعب العراقي بحاجة إلى الإسراع في الخطوات التالية :
1-        الإسراع في التخلي عن الجهل والبحث عن حد أدنى من الوعي الذي يصونه من مكائد الكتل السياسية التي برعت أخيرا في استغلال ذلك الجهل وشراء الذمم في وقت الانتخابات .
2-        الضغط على السلطة التشريعية بأي ثمن حتى لو تطلب الأمر الخروج إلى الشوارع والموت فيها للمطالبة بتبديل كامل قوانين حزب البعث المقبور والتي تقدر نسبتها بأكثر من 85% من القوانين المعمول بها ، وأحب أن أؤكد أن الكتل السياسية الحاكمة تتعمد أبقاء تلك القوانين لأنها تساعدها في تكريس وجودها وتنفيذ سرقاتها وإبعاد الشبهات عنها .
3-        تشريع قوانين لسد الفراغ القائم في كل مجالات الحياة ، فغياب الكثير من القوانين يتيح المجال للسراق أن يمارسوا جرائمهم بعيد عن سطوة القضاء .
4-        الضغط الشعبي وبكل الوسائل للتخلص مما يسمى بالمحالصصة والشراكة التي جعلت كل وظائف الدولة من حصة الأحزاب والموالين لها ، وتركت باقي أبناء الشعب في غياهب البطالة.
5-        الضغط على السلطة التنفيذية من أجل فتح ملفات الفساد بأي شكل ، وتفعيل القضاء ومحاولة استنقاذه من سطوة السلطة التنفيذية ، حيث بات مؤكدا أن الحكومة توجه القضاء وخاصة فيما يخص سرقة ونهب المال العام  (بالرموت كونترول )  .
6-        عقد ندوات في كل أنحاء العراق لمناقشة فيما إذا كانت الكتل السياسية المتنفذة تمارس فعلاً عملاً ديمقراطيا أم أنها تستغفل الشعب العراقي وتستعمل مصطلح الديمقراطية كذريعة للبقاء في الحكم .
وأخيرا أحب أن أؤكد أن الضمان الوحيد لبناء عراق ديمقراطي هو سيادة قانون لايفرق بين رئيس الوزراء وأي شخص من عامة الفقراء ، فإما سيادة القانون أو سيادة السراق . وسيادة القانون لاتفرضه عقول تشبعت بحب السلطة وسرقة قوت الفقراء ، بل تفرضه إرادة شعب واع وشجاع ومبادر .
للتعليق على الموضوع على الرابط التالي : http://thenewiraq.com/?p=2578