السبت، 14 نوفمبر 2009

دولة النقيــــــق
دولة النقيق التي أنتجها ميشيل عفلق منذ أكثر من أربعين عاماً في سوريا والعراق، كانت خير ما يمثل الفلكلور السياسي قبل ظهور الإسلام وبعد سقوط حكم الراشدين، وامتدادا متقزماً لإمبراطوريات القبائل التي أعقبت إسقاط المشروع الحضاري الإسلامي باغتيال الأمام علي بن أبي طالب وإنهاء ما أتفق على تسميته بحقبة الخلفاء الراشدين وقيام إمبراطوريات ألعشائر، الأموية والعباسية ومن داخلها دويلات السلاجقة والاتابكة وال بويه ومن ثم إمبراطورية بني عثمان ومن سبقهم من قبائل المغول والتتر. حتى انتهى الحال بالعشائر الصغيرة في مطلع القرن الماضي وأواسطه لتأسيس دولها وأنظمتها على أنقاض ذلك الفلكلور السياسي.
في العراق كان الوضع يختلف نسبيا ً مع بداية تأسيسه الهش، ولولا المشروع البريطاني الذي تم بموجبه استيراد ملكاً من الجزيرة العربية وتنصيبه في بغداد لكانت الأمور ستأخذ منحاً أخر ربما يختلف عما حدث طيلة حكم ( آل هاشم ) وربما كان العراقيون سينجحون في اختراق ذلك الفلكلور أو تجاوزه إلى حد ما، وإن ما حدث في تموز عام 1958م كان ربما رفضا لتسلط قبيلة أو عشيرة على الحكم، بدليل إن عبد الكريم قاسم لم يمثل إلى حد كبير هذا الفلكلور، وحتى الذين أعقبوه قبل قيام دولة النقيق لم يكونوا مؤهلين بالتفسير السياسي لهذا الفلكلور أن يحكموا بموجب فلسفته.
مع مطلع الستينات نجح ميشيل عفلق بتقديم ذلك الفلكلور بصيغة مطورة لجمهور متهالك ومحبط وحالم بإمبراطوريات مترامية من الخليج إلى المحيط ينشد معاً نشيدا واحدا و يرفع رايات الثورة العربية من أقصى المشرق العربي إلى أقصى مغربه، دون أن يفقه ما وراء ذلك النقيق من شعارات براقة تدغدغ العواطف والغرائز وتسحق أمامها قيم الحضارة والتقدم الإنساني. فجاءت تجربتهم في العراق عام 1963م على أنقاض الجمهورية الأولى التي حاولت إنشاء دولة عراقية بعيدة عن ذلك الفلكلور السياسي، هذه التجربة التي أبدعت في إنشاء مدارس العنف والتفنن في عمليات الاغتيال والتصفيات وإنشاء العصابات الإيديولوجية التي ستحرر الأمة وتوحدها، وتقضي على العملاء والمتآمرين على مستقبلها من الشيوعيين والأكراد والشعوبيين الشيعة الذين يعيقون تطور وتقدم الثورة العربية وحزبها الطليعي!.
وهكذا وخلال أقل من عام واحد نجح ميشيل عفلق في ترجمة وتطوير فكرة الغزو التي كانت سائدة بين القبائل في الفلكلور السياسي والاجتماعي المنتشر في الجزيرة العربية وأطرافها، وتحويلها إلى مجموعة من القوانين والنظريات الإيديولوجية والشعارات من قبيل ( البعث طريقنا ) و( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) و( وحدة حرية اشتراكية) وإلى آخر ما أبدعته قريحة القائد الضرورة الذي أنتجه ميشيل عفلق وأرسلته السماء لينقذ هذه الأمة؟.
ولم تمض فترة طويلة إلا وعاد فرسان دولة النقيق ثانية ليكملوا المشوار بعد إسقاطهم الأبيض جدا لحكم آل عارف المتواضع في تمثيله لذلك الفلكلور القديم الجديد، وتنطلق دولة البعث في العراق بغزواتها الكبيرة هذه المرة لتؤسس قاعدة الانطلاق نحو بناء مجتمع إيديولوجي يذيب ويصهر كل الأفكار والمعتقدات والقوميات والأديان والألوان في بودقة فلسفة البعث والعروبة العفلقية التي لا فرق فيها بين بعثي وآخر إلا بمدى تطبيقه لأفكار القائد الضرورة والإبداع في تصفية وسحق أعداء الحزب والثورة!.
ولأن القاعدة الفكرية لدولة النقيق قائمة على أساس الغرائز والعواطف الجياشة وفصل العقل عن الفعل، فقد تدافع الفرسان في نقيقهم ليل نهار من أجل تنفيذ أفكار وأحلام وطموحات الرئيس القائد والقائد المؤسس لإنشاء دولة الغزوات، فلم يروا أفضل من كوردستان ( بعد غزوتهم المباركة على الشيوعيين أعداء العروبة والإسلام وعلى الشعوبيين العملاء من الشيعة! ) – فتضفدعوا - مع الجارة إيران في اتفاقية الجزائر عام 1975م وقاموا بغزوتهم العروبية التاريخية وبطولاتهم النادرة بين الأطفال والنساء والأشجار والبساتين فأحرقوا الأخضر واليابس وحرروا كوردستان من أعداء فلكلورهم السياسي العتيد.
وتستمر عملية التطوير لفكرة الغزو بعد نجاحها قطرياً – فيتضفدعون - مع الحلفاء الاقربون ليشنوا غزوتهم القومية الكبيرة ضد عشائر الفرس المجوس في ( قادسية صدام ) شيخ العشيرة العظيم الذي لولا غزوته لأطفأ (عبدة النار) نور الإسلام والمسلمين(!) وليدافعوا عن بوابة الأعراب الشرقية (!) التي تنادى لها فرسان النقيق في كل مكان من أرض العرب والأعراب بالسيف والقلم والنفط وغدت دولة النقيق في العراق صاحبة ما أطلق عليه بالجيش الخامس في العالم حتى ظن صاحبنا بأنه إمبراطور المشارق والمغارب وإنه ظل الله على الأرض والعباد، فتعالى النقيق لدى الرفاق والأنصار والأصحاب بغزوة جديدة للفارس المغوار وهذا الجيش الجرار، فقصدوا ثانية ارض كوردستان كقطيع من الهمج والغيلان فعاثوا في الأرض فساداً في سابقة لم يذكر التاريخ مثيلاً لها، ففعلوا كما كان يفعل أجدادهم في الجاهلية حينما يغزون بعضهم، يقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال ويحرقون الأخضر واليابس ويسرقون الأغنام والبعران، بل زادوا على ذلك فاستخدموا آيات القرآن عناويناً وتعاويذاً لغزواتهم فكانت الأنفال المتعددة الألوان والأشكال فقتلوا مئات الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال وأحرقوا آلاف القرى والبساتين ودمروا ينابيع المياه في كل كوردستان.
الغريب في كل هذه الغزوات كانت أنظمة الأعراب صامتة مستكينة، ربما لأن شيخ العشيرة هذا يمارس جزأ من فلكلورها الجميل أو ربما كانت وجلة منه أو طامعة بغنائمه أو باحثة عن فارس من فرسان أحلامها، المهم إنه يمثل حلماً باطنياً أو نزعة سايكولوجية في العقل الباطني لدى الكثير ممن أغلقوا عيونهم عن مشاهدة حلبجة وهي تحترق أو سدوا منافذ آذانهم لكي لا يسمعوا الأنين والعويل في سيمفونية الأنفال، وهكذا تتوج الضفادع فارسها ملكاً لمشارق الأرض ومغاربها وشيخاً لكل الغزاة الباحثين عن أمجاد هولاكو، فيندفع هذه المرة في غزوة عارمة كاسحة بجيشه الخامس ليبتلع الكويت أرضاً ودكاكيناً ونساءً وينتشر الرفاق في أحياء الكويت ملوكا وأمراء يستبيحون الأموال والنساء حسبما جاء في دستور الغزو وتعليمات الفلكلور والتاريخ السياسي والاجتماعي لدولة النقيق، وهكذا تستمر بانوراما دولة الضفادع في غزواتها وبطولاتها حتى تنكفئ في حدود دولتها فتصب جام غضبها على مواطنيها بعد عودتها من غزوة ( أم المعارك ) فتعيث في الجنوب فساداً وتدميراً وتقتيلا.
دولة النقيق هذه أنتجت خلال أربعين عاماً أكثر من مليون قبر وما يقارب النصف مليون معاق جسدياً ونفسياً ومئات الآلاف من السراق والمنحرفين والانتهازيين والمتملقين والمختلسين الذين يحرقون العراق اليوم تحت شعارات المقاومة والتحرير كما كان يفعل قادتهم طيلة ما يقرب من اربعين عاما عجافا، وملايين من البشر تحت سقف الفقر المالي والعلمي والثقافي والآلاف الآلاف من المستكينين ومثلهم ممن أدمنوا النقيق والجريمة والدعارة السياسية والارتشاء والسادية.
إن ما أنتجته دولة النقيق من الأرامل واليتامى ( ولا زالت تنتجه بعد سقوطها ) في العراق وأطرافه لا يساويه رقم مماثل في كل المعمورة.
والاهم من كل ذلك إنها قتلت وبسبق الإصرار والترصد شيئاً اسمه المواطنة واغتالت إحساساً اسمه ألانتماء لوطن، لأنها وبجدارة فائقة أنتجت انتماءاً لشيخ العشيرة يفوق الإحساس بالوطن والمواطنة فالعشيرة وشيخها فوق كل شيء.
وحتى يتوقف النقيق يستمر هذا الفلكلور السياسي الجاهلي بأقنعة وعباءات متعددة يمثلُ بجدارة متناهية أفكار ذلك القائد المؤسس وأجداده العظماء في الجاهلية وإمبراطوريات القبائل.
زواج المتعة مع اسرائيل؟
اختلف الفقهاء وكثير من المفسرين في موضوعة زواج المتعة وكونه زواجا شرعيا من خلافه، ولكل من الطرفين مبرراته وأسبابه، وهنا لست باحثا عن الأسباب والمبررات في هذا الزواج بقدر ما تجمع لدي من تشابه بينه وبين علاقة الكثير من الدول العربية وأنظمتها السياسية مع إسرائيل طيلة العقود الماضية ومنذ قيامها كدولة وحتى يومنا هذا، فقد أدهشتني ذات يوم ليس ببعيد مشاهد مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى وذو تاريخ معروف لدى الإعلاميين العرب في حروبه وجولاته في جبهات القتال، وهو في أروقة واستوديوهات قناة الجزيرة القطرية المثيرة للجدل في كل الأوساط السياسية والنخبوية في الشرق الأوسط، وكم كانت مثيرة تلك الألفة بين المسؤول الإسرائيلي والعاملين في القناة ذكورا وإناثا، القناة الأكثر إثارة وجذبا للرأي العام العربي في موضوعات تحرير فلسطين وإعلان الجهاد على الطريقة القرضاوية تارة أو على طريقة القائد الضرورة تارة أخرى ومن النهر إلى البحر.

وربما نجحت تلك المفاجأة في إعادتي قليلا إلى بدايات القرن الماضي وتحديدا إلى الثالث من كانون ثاني 1919 حينما وقع فيصل ابن شريف مكة (الحسين بن علي) والذي أصبح فيما بعد ملكا للعراق، وكان حينذاك ممثلا للمملكة العربية الحجازية، اتفاقية (فيصل_ وايزمان) مع الدكتور حاييم وايزمان ممثل المنظمة الصهيونية، والتي جاء في ديباجتها:
(إن الطرفان يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي...الخ )*.
حيث نصت الاتفاقية على تعاون الطرفين لتنفيذ وعد بلفور الصادر في الثاني من نوفمبر 1917م بما في ذلك اتخاذ جميع الإجراءات لتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وعلى مدى واسع.
وقد كادت تلك اللقطات الأليفة بين كادر المحطة والقائد الإسرائيلي أن تنسيني عشرات أو لعله المئات من الاجتماعات واللقاءات الأخوية العربية الإسرائيلية من غزة إلى القاهرة والرباط وعمان ودبي والدوحة وبقية الحواضر العربية الأخرى.

ولست هنا لتسجيل (مفاجأتي) جميعها فمعظم المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في المحيط العربي يعيشون حياتهم كلها بالمفاجآت والـ (الجفلات) سواء كانوا نياما أم نصف نيام، بقدر محاولتي في التعرف على بعض أوجه التعاطي مع كثير من الأمور وربما العلاقة مع إسرائيل واحدة من أكثر المواضيع المثيرة للجدل وللعواطف الإنسانية هنا في المحيطين العربي والإسلامي، ولنرى:

إذا أردنا أن نغض النظر عن الاتصالات السرية التي كانت تجري على قدم وساق بين معظم الأنظمة السياسية العربية من المغرب وشقيقاتها هناك في شمال أفريقيا إلى قبلة الأنظار والجيوب عند تخوم الخليج وبلاد الشام وأردننا الصامد، منذ حربنا الجهادية الأولى في أربعينيات القرن الماضي التي أوهمنا فيها العالم بأننا نحن العراقيون آكلة لحوم البشر حينما أشاع الإعلام العربي والمخابراتي آنذاك رواية سلق أحد الجنود الإسرائيليين الأسرى أمام أقرانه، وحتى أكتوبر العبور إلى ضفة جوزيف سيسكو و(الاسطة كيسنجر)، والتي فضح الكثير منها وما زال القليل الغالي طي الكتمان إلى أن يأذن الله والراسخون في العلم أو يرحل صاحب السر في انقلاب أو احتلال أو هروب!

فإننا سنتحدث عن علاقة إسرائيل المعلنة مع معظم قادتنا العظام وثوارنا الأشاوس ومحرري قدسنا الشريف من (الشهيد) ياسر عرفات إلى أمير المؤمنين في غزة الإسلام والمسلمين إسماعيل بهية وصحبته الأجلاء في حماس الجهاد والمجاهدين، مرورا ببطل التحرير القومي الذي مات ولم تحقق الأمة أهدافه في قطعة ارض على حدود إسرائيل، إلى أحفاد بيت النبوة الكرام في مغربنا وأردننا وإيراننا وصولا إلى التابعين الأخيار من ملوكنا وأمرائنا وقادتنا المناضلين جدا جدا عند ضفاف الخليج الأملس والبحر الأبيض ومرورا بخلفائنا المجاهدين والمعطرين بدماء المفخخات والتذبيح من أفغانستان إلى عراق المقاومات والمزايدات والتزاوجات الجهادية والبعثوية والعروبية، ولبنان النصر الإلهي الذي يشابه انتصاراتنا العظيمة جدا في القادسية الثانية وأم المعارك العظمى والحواسم التي نجني ثمارها الآن شرقا وجنوبا وغربا ووسطا وأكثر من ستمائة مليار دولار فقط في ذمة العراقيين والعراقيات الماجدات.

وقبل الخوض في تفاصيل تلك العلاقات ربما يكون سؤالا كهذا مدخلا لكثير من أسرار تلك العلاقات المدهشة والمثيرة أحيانا والمقززة أحيانا أخرى!

مَن مِن هؤلاء جميعا ممن ذكرتهم أعلاه لم يتمتع بعلاقة خاصة جدا أو عامة مع إسرائيل سواء بشكل مباشر أو عن طريق الأحباب منذ تأسست إسرائيل وحتى يومنا هذا وعلى أرفع أو أعرض المستويات؟

وبالتأكيد سيجيب الكثير منهم بالنفي طبعا وهو كاذب ومراوغ وما زال يؤمن بان الجماهير ما هي إلا قطعان ماشية ولا يجوز لها أن تعرف الكثير من بواطن الأشياء أو تطلع على أسرار النضال والجهاد الليلي لقادتها الجدا ميامين.

لقد كانت العلاقات العربية الإسرائيلية غاية في الود منذ مليك إمارة شرق الأردن الأول وحتى جلالة الملك المرحوم في المملكة المغربية مرورا بأمراء وملوك العشائر والقبائل والأسر على الضفاف الدافئة والرؤساء الضروريين جدا (جمع الرئيس الضرورة) لمهازل هذه الدول وعنترياتها الساذجة والمقززة في تخدير شعوبها وتسطيح عقولهم في صراع أداموه أكثر من ستين عاما، للحفاظ على كراسيهم وامتيازاتهم وأهانوا شعبا عريقا مكافحا لو تركوه لوحده أن يقرر مصيره لكان اليوم غير ما هو عليه الآن من تذابح وتقاتل وتقهقر. ويتذكر العرب جيدا تلك المليارات التي تم تقديمها كرشاوى لرؤساء الدول الإفريقية لقطع علاقاتها مع إسرائيل التي ما لبثت أن عاودت وأعادت علاقتها أقوى من ذي قبل مع الكيان الصهيوني، بل وزادت في إضافتها موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر إلى قائمة الأصدقاء مع دويلة بني صهيون!؟

لقد تمتعت كل الأنظمة العربية من المغرب وحتى عُمان، مرورا بكل دول الخليج بما فيها بلاد الحرمين وما بين النهرين وبلاد الشام أو سوريا العظمى كما يشتهي البعض حينما يريد إدغام لبنان والأردن مع بلاد الأسود كما تفعل جارتنا الغالية جدا تركيا في ايماءآتها بإدغام (وصلة كاع) من شمال العراق(!)

وإذا كان الرئيس محمد أنور السادات أشجع من أعلن عن علاقته دون مواربة أو نفاق أو كذب، وذهب أمام الملأ ليخطب في الكنيست الإسرائيلي بشجاعة الفرسان، فأن الآخرين ادعوا بأنهم أعداء الدنيا والآخرة مع بني صهيون بينما كشفت الأيام تباعا ( زواج المتعة ) وعلاقة معظم الذين كانوا يزايدون بعداء إسرائيل وبقذفها إلى البحر سواء بشكل مباشر أو عن طريق أولياء النعمة في واشنطون ولندن وباريس، أو من خلال الخدمات الجليلة المقدمة إليها بصواريخ سكود الذهبية التسعة والثلاثين وبغزوات الكويت وقبلها كوردستان وإيران.

وخلال أكثر من نصف قرن خاضت هذه الأنظمة وملوكها ورؤسائها حروبا بائسة بشعوبها وقودا وحطبا حفاظا على كراسيها وتدميرا لأي قوة يمكن أن تؤثر على ناصيتها في الحكم.

ويتذكر العراقيون والعرب في بلدانهم مئات الآلاف من الذين تمت تصفيتهم بتهمة العلاقة أو العمالة لإسرائيل والامبريالية والرجعية بمجرد معارضتهم لتلك الأنظمة الفاسدة في حكمها وثقافتها ومبادئها، والتي كانت وما زالت في أجهزة إعلامها تستخدم نفس تلك اللغة في التعامل مع شعوبها، وما يحصل الآن في أوساط إعلامية وغيرها من تشبيه إقليم كوردستان العراق بإسرائيل الثانية ما هو إلا نتاج تلك الثقافة البائسة والمقززة في إشاعة الكراهية للآخرين باستخدام أسلحة فاسدة ومزرية كاتهام الآخرين بالعلاقة مع إسرائيل وهم الغارقون حتى أذنيهم في علاقات تجارية أكثر دناسة من أي علاقة أخرى مع إسرائيل وغيرها في التآمر على العراق أو غيره من بلدان المنطقة وشعوبها، وإشاعة الإرهاب والعنف والأحقاد بين مكونات العراق ومذاهبه واستقدام عصابات الجريمة المنظمة من مختلف البلدان الأجنبية سواء من دول الجوار أو غيرها والتعاون مع كثير من أجهزة المخابرات الدولية لتعطيل الحياة في العراق، واحتضانها والعمل تحت أمرتها وتوجيهاتها لتحويل العراق إلى حفنة من تراب كما تعهد الرئيس الأسبق صدام حسين إذا ما تمت إزاحته عن السلطة.

لقد أثبتت التجارب والسنين الماضية إن أكثر الناس ادعاءاً بمعاداة إسرائيل هم أكثرهم متعة بالزواج معها وعلاقة وتنسيقا وراء الكواليس، وإن الذين ما زالوا يتاجرون بهذه البضائع هم أكثر التجار ربحا في علاقاتهم مع كل المتناقضات في بلادنا وما حولها من خلال انتهازيتهم وميكافيليتهم التي تعلموها في مدارس النظام السابق واقرأنه في المنطقة.


* جورج انطونيوس / يقظة العرب، تاريخ حركة العرب القومية.