اقليم كُردستان والتحديات الاعلامية؟
كفاح محمود كريم
لا ازعم ان اقليم كردستان واحة سويسرية او اصبح ينافس دول الاراضي المنخفضة شمال اوربا، رغم ان الكثير يتمنى ويعمل من اجل ذلك طيلة السنوات الماضية من عمر الاستقلال الذاتي، لكنني اجزم بان تجربته ربما تتجاوز كثير من تجارب الاخرين في المنطقة تحت تلك الظروف المعروفة والتي مر بها الاقليم وفعالياته السياسية وقياداته ومؤسساته الديمقراطية وتحدياتهم لتلك الظروف القاهرة بما فيها الحرب الاهلية التي اشتعلت لتدمير البلاد والعباد.
وهنا علينا ان نتوقف قليلا عند خيارات شعب تحرر للتو من دكتاتورية مقيتة خارجا من حروب عديدة، وما يزال يأن من جروحه الغائرة بسبب الحرب الكيمياوية والانفالات، وفي ظروف نادرة من القسوة بسبب الحصار المزدوج من قبل الامم المتحدة والعراق ومعظم دول الجوار الا ما ندر، ورغم ذلك كان الاختيار الديمقراطي والامتثال لرأي الشعب ومن ينتخبهم في اول انتخابات حرة جرت في البلاد بعيد الانتفاضة عام 1992م هو الخيار الاكثر تقدما لأنتاج مؤسسات ديمقراطية منتخبة كالبرلمان والحكومة الاقليمية ومن ثم مجموعة التشريعات والقوانين التي نظمت حركة الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وبالذات التشريعات المتعلقة بالمرأة والاحوال الشخصية وحرية الصحافة وحقوق الصحفيين والكتاب والاعلاميين، والتحديثات الكثيرة التي شملت اساليب التربية والتعليم ومناهجها.
لقد رافق تلك العملية الكبيرة في التغيير الاجتماعي والسياسي فورة اعلامية وفيض واسع من الصحف والاذاعات والتلفزيونات التي انتجت المئات من الصحفيين والاعلاميين الذين عملوا في ظروف قاسية وصعبة للغاية بسبب الحصار المزدوج الذي طال حتى القلم والورقة والفلم والكاميرا والمايكرفون، الى جانب العمل تحت ظروف اقتصادية غاية في التعقيد وفي مقدمتها أن يعمل الصحفي والاعلامي او الفني والموظف دون معاش لأشهر كثيرة.
لا ادعي وربما مثلي الكثير ان اقليمنا هو النموذج الذي نطمح اليه، اننا فعلا نطمح ان يكون اقليمنا هذا ينافس من ذكرتهم في مطلع مقالي هذا في الديمقراطية والصحافة والاعلام والسياحة والزراعة والصناعة والصيرفة، لكنني اجزم ومعي جمهرة من الكتاب والصحفيين والاعلاميين المستقلين منهم والحزبيين ان مساحة الحرية في الرأي والتعبير واحترامهما تكاد تتجاوز مثيلاتها في كل دول الجوار قاطبة وهذا ايضا ليس طموحنا باعتبار ان معظمها اي دول الجوار من جماعة الرأي الاوحد؟
لقد دأبت بعض وسائل الاعلام العراقية والعربية وغيرها من صحافة وتلفزيون على النظر الى الاقليم من خلال مايكروسكوبات مدعمة بمواقف مسبقة وصور قاتمة وتحريات ذات نيات سلبية مبطنة للعثور على خطأ هنا أو تجاوز هناك للانطلاق به الى فضيحة كبرى او كارثة اعلامية او سياسية على غرار ما جرى في التعامل مع موضوع تغيير شكل العلم العراقي قبل عدة سنوات ومع موضوع رفع العلم العراقي اثناء زيارة الرئيس بارزاني الى انقرة وقبلها في التطبيل والتزمير لحادثة الشاب المغدور سردشت عثمان ومحاولة توظيفها سياسيا، متناسية ان الاقليم يتمتع بقانون للصحافة وحرية التعبير لا ينافسه أي قانون في المنطقة، بل ان الرئيس بارزاني اعاده الى لجنة الصياغة من جديد قبل تشريعه للحصول على اكبر مساحة للرأي والحقوق التي تحمي الصحافي والكاتب والاعلامي.
واكثر ما يثير السخرية بل والاشمئزاز احيانا من هذا النمط من الاعلام الاسود هو ان ترى اقلاما معروفة بالامعية والعبودية تكتب سيناريوهاتها عن قصة مختلقة بشكل بائس وساذج عن حرية الصحافة والتعبير في الاقليم الذي يعرفه الداني والقاصي من مناضلي العراق وحرية الكلمة والرأي الذين عاشوا سنوات طويلة منذ اندلاع ثورة ايلول وحتى يومنا هذا، عربا كانوا ام كردا، تركمانا ام آشوريين وكلدان، حيث كان ملاذا آمنا للاحرار والهاربين من جور الدكتاتوريات والارهاب والطائفية، هذا الاقليم الذي اسس اول واحة للحرية والديمقراطية في بحيرة من الدكتاتورية والاستبداد والارهاب منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا لكل العراقيين على حد سواء.
ان واحدة من اهم التحديات التي تواجه الاقليم اليوم هي التحديات الاعلامية وتحديدا وسائل مخاطبة الرأي العام العربي المقروءة والمسموعة والمرئية التي تكاد تكون معدومة الا من بعض الوسائل المحلية المحدودة جدا، ولذلك نرى ان الاقليم احوج ما يكون الى البدء بتأسيس هيئة او مؤسسة للارسال والبث تضم عدة وسائل اعلامية تلفزيونية واذاعية وصحافية باللغة العربية موجهة للرأي العام العراقي والعربي كبداية لتأسيس ارسال وبث بلغات حيوية اخرى، تأخذ على عاتقها ايصال الخطاب الكوردستاني السياسي والثقافي والاجتماعي والاعلامي الى الرأي العام في المحيط العربي والعالم.