كل شيء من اجل المناصب في العراق؟
كفاح محمود كريم
المناصب وما أدراك ما يحصل من اجلها والمواقع وما تفعله بعباد الله والعناوين التي تطوف بالهائمين بها صوب المنافذ والأبواب ومفترقات الطرق وعقدها والتهافت عليها حد الاقتتال والتذابح والفساد والإفساد وهدر الحال والأحوال والأموال، ومن ثم إشغال ما لا يشغل من قبل اناس لا علاقة لهم بتلك المسميات إلا ما ينحصر في امتيازاتها المادية والسياحية؟
إنها عناوين يهرول اليها الكثير وتختلف الاسباب في الهرولة وما قبلها وما بعدها ايضا حينما تتحول الاسباب الى اهداف وغايات، وفي كل ذلك وضمن عواصف هذا التسابق والتصادم والتزاحم والتنافق والتدليس والإحلال والنفوذ تضيع الطاسة كما يقولون بين ايدي العطاشى، وتطوف ( الخوقة ) على عادة اهل الموصل او الخرقة على فصيح الكلام في فيضان الاتهامات والتدافع والثرثرة حتى لا يكاد المرء يفرق بين أصواتهم وأصوات سوق الصفافير في الموصل او بغداد؟
وفي خضم ذلك تتيه مسميات المناسب وغير المناسب بل وتموع كما تموع حلاوة الطحينية في قيظنا هذا المضروب في الامثال والمطلوب لنا تمنيا ودعاءً منذ اكثر من ألف عام!
تموع حتى تختفي تماما امام طوفان ابن العم وحزام الظهر وابناء العشيرة من العمام والخوال حتى كأنك وانت تدخل وزارة تشم عطر الوزير من مدير مكتبه حتى الحارس الليلي ( الباصوانجي ) امام باب الوزارة ليلا؟
والغريب ان كل دساتيرنا وقوانيننا ومبادئنا الخلاقة وافكارنا التي لا مثيل لها في الدنيا والآخرة، تؤكد ليل نهار على الرجل المناسب في المكان المناسب حتى حفظناها على ظهر قلب وعقل ولسان مثل اسمائنا او شعارات احزابنا المناضلة وتواريخ ميلاد قادتنا الافذاذ؟
وما زلنا نناضل ونكافح ونعمل برامجنا ونصيغ خططنا الخمسية والعشرية من اجل جعل الانسان المناسب في المكان المناسب، حتى اصبح أو امسى هذا الانسان الرجل الوطواط ولم يدرك مكانه لحد يومنا هذا، بل استعاضوا عنه بالقريب والنسيب والعشير، وصاحب المواهب الخاصة جدا والامكانيات البهلوانية الناعمة التي تصاحب دراما التعيينات والتكليفات وتسمية وترشيح اعضاء الشلل والكروبات القريبة من مصادر الطاقة والقرار والذي منه؟ وفي كل ذلك تخضع الأمور الى مزاجات المسؤول وترتيباته الشطرنجية، هذا المسؤول الذي يبدأ من اصغر مدير دائرة ربما لا يتجاوز موظفيها الثلاثة مرورا بمستويات المدراء الاقل من المدير العام الذي يعتبر فلتة زمانه هو الآخر وصولا الى عبقرينو المنظر معالي الوزير حتى نستظل بظلال القائد الملهم الفذ الذي لا مثيل له ابدا!؟
والغريب إن هذه النماذج من الاداريين الأفذاذ لم تخضع للفحوصات الطبية ما قبل التعيين المتعارف عليها قديما، حيث يعرض المتقدم للتعيين الى مجموعة من الاخصائيين لفحصه والتأكد من صلاحيته الفسلجية والعقلية والنفسية، ومن ثم كتاب او تأييد من المختار والاختيارية بأنه من عائلة محترمة ومعروفة بسمعتها الطيبة بمعنى أن تكون نزيهة وصادقة وشريفة على أقل تقدير!؟
وهنا أتذكر قصة رواها لي احد احفاد الشيخ عبود الهيمص من شيوخ الزبيد في الفرات الاوسط في اواخر سبعينات القرن الماضي حيث توسط الشيخ لدى الباشا نوري سعيد في العهد الملكي وذلك لقبول احد ابناء المنطقة في الكلية العسكرية، وبعد اشهر سأل الشيخ نوري السعيد عن وساطته فقال له يا شيخ انك تتوسط لشخص سيكون زعيما في البلاد بعد عشر سنوات، لا تستعجل علينا ان ندقق كثيرا في أصله وفصله ونظافة يده قبل قبوله!؟
حصل هذا قبل اكثر من سبعين عاما على عهد رئيس وزراء المملكة العراقية حديثة التكوين لقبول طالب في الكلية العسكرية، فهل يا ترى مازلنا نستخدم ذات القياسات في قبول طلبات المتطوعين كشرطة او جنود ناهيك عن الموظفين والمحاسبين وأمناء المال والمخازن وحراس الحدود ونواب الشعب ووزرائه!؟
وصدق من قال إن الهامات لا تحتاج الى تاج، بل التاج هو الذي يحتاج اليها ليكتمل؟