هل يتجه العراقيون فعلا إلى ترسيخ القيم الديمقراطية وقبول الآخر أم انه هناك سلوك آخر وربما أهداف أخرى تختبئ وراء كواليس أو طوابير الواقفين أمام صناديق الاقتراع منذ أكثر من خمس سنوات؟
هل أن ما يجري يؤشر تغيرا نوعيا في نمط التفكير والسلوك لدى النخب السياسية والاجتماعية أم انه استخدام لوسيلة من وسائل تداول السلطة بعد انعدام فرصة ركوب كرسي الحكم بالانقلابات المتعارف عليها في بلداننا؟
وسواء كانت الإجابة على السؤالين سلبا أم إيجابا فإننا إزاء عملية تحول مهمة أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات بصورتين تكاد تكونا مختلفتين عن بعضهما ومتقاربتين في فلسفتيهما السياسية.
الأولى هي استخدام الآخر وسيلة تداول السلطة عن طريق طوابير الناخبين وصناديق الاقتراع، وهو نفسه أي هذا الآخر هنا الذي وقف ضد العملية السياسية برمتها منذ الاحتلال وسقوط النظام الشمولي السابق وادعائه إن كل المؤسسات التي قامت بعد سقوط نظام صدام حسين بما فيها مجالس المحافظات ومجلس النواب والحكومة والرئاسة هي مؤسسات غير شرعية وعميلة للاحتلال، ورغم أنها كانت تعمل من خلال كثير من الكتل والأحزاب في الساحة السياسية التي اخترقتها تحت مسميات كثيرة مسلحة وغير مسلحة تحت عباءة المقاومة والتحرير بميكافيلية عالية جدا، إلا أنها دخلت هذه المرة إلى عربات القطار الديمقراطي للوصول إلى ذات الهدف الذي كان يوصلها اليه قطار الليل أو الانقلابات في ما مضى من فلكلورنا السياسي؟
وهنا أيضا علينا أن نسأل هل جرى تحولا نوعيا في تفكير هذه القوى ورؤيتها للأحداث والمتغيرات في ما حولها أم انه تكتيك آخر للوصول إلى السلطة والعودة إلى صناعة الماضي بأسلوب آخر، خصوصا وهي مصرة حتى الآن على ثوابتها وشعاراتها القديمة والمجملة أو المعطرة بالوسيلة الجديدة في تداول السلطة ولو إلى حين تمكنها من ذلك؟
وليس أدل على انتمائها لشعارات الماضي إلا تشبثها بأوحدية القائد شخصا كان أم حزبا ممثلا بقومية سائدة أو مذهب بذاته، وليس غريبا أن تعتبر هذه القوى كل ما مضى في تاريخنا السياسي قبل الاحتلال وسقوط النظام انجازات كبيرة بل مكاسب شعبية عظمى وعليه فليست جرائم الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وتهجير مئات الآلاف من العراقيين داخل وخارج البلاد سوى تشدد في ممارسة الحكم أو مجرد أخطاء عابرة سببها الضحايا الذين نفذت بهم الأحكام، فهي لا ترى في كل ذلك إلا ردود فعل من النظام وليس لها أي تعريف مغاير لتعريفات النظام السابق لسياسات التهميش والإقصاء والتعريب والتغيير الديموغرافي للمدن والقصبات!؟
والصورة الثانية هي عمليات تكثيف السلطات وتركيزها وشخصنتها باستخدام ذات الأساليب الإعلامية والنفسية في تصنيع القيادات الاوحدية واستخدام وسائل السلطة وخيراتها في شراء ذمم تكوينات عشائرية إما بالمال أو التعبئة الانفعالية باستخدام الشد القروي والقبلي لدى هذه التكوينات التي استخدمها النظام السابق بذات الأسلوب والنهج طيلة عقود.
والغريب أنها تستخدم الاستمالة الاستجدائية بمعاداة طرف آخر إلى حد إلغائه أو تهميشه على ذات الخلفية التي اعتمدت لعشرات السنين.والعجيب أن الاتجاهين رغم اختلافهما نظريا إلا إنهما ينشدان نفس الهدف ويستخدمان ذات الأساليب للوصول إلى دفة الحكم والاستئثار بمقاليد السلطة والقرار مما يؤشر اتجاها تدريجيا إلى إعادة تكثيف القوة والسطوة وتركيزها ولكن هذه المرة باستخدام قطار الديمقراطية الليلي.
عن ايلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق