الأربعاء، 16 مارس 2011

العراق بين القدوة والعبرة؟

العراق بين القدوة والعبرة؟

 

كفاح محمود كريم

 

     في الوقت الذي يرى الكثير من المراقبين والمختصين إن انتفاضة كردستان والجنوب في ربيع 1991م كانت اختراقا كبيرا وفريدا لحاجز الخوف والرعب الذي فرضته الأنظمة الدموية طيلة ما يقرب من نصف قرن، ورغم اتفاق دول عاصفة الصحراء الضمني على إبقاء نظام صدام حسين في الحكم بشكل مشلول ومحاصر، فقد استطاع الشعب في كردستان العراق تأسيس نظامه السياسي البرلماني وأنجز مؤسساته الديمقراطية بعيدا عن استبداد ودكتاتورية النظام في بغداد، يرى آخرون من المتفائلين ان ما حصل في العراق قبل ثمان سنوات سيكون بداية النهاية للنظم الشمولية في المنطقة والعالم على خلفية تطور نظام الاتصالات والعولمة في السنوات الأخيرة والذي رفع الستار عن عورات النظم الاستبدادية وفعائلها المشينة بحق شعوبها، حيث لم يعد العالم المتحضر يتحمل دكتاتورا ينكل بشعبه ويبيد معارضته بشتى الأسلحة مع وجود وسائل الإعلام الفضائية وغيرها التي ساهمت بشكل فعال في كشف عورات هذه الأنظمة أمام العالم والإنسانية، خصوصا مع وجود قوى دولية عظمى مسنودة من قبل المنظمة الأممية ومجلس أمنها الذي يصدر قراراته او موافقاته على شن الحرب او الحصار على تلك الأنظمة أو ما يشبه ذلك مما يعجل في إسقاطها وإنهاء حكمها كما حصل هنا في نيسان 2003م.

 

    ومن جهة أخرى فما حصل بعيد الاحتلال وانهيار النظام وهروب رئيسه وقيادات حرسه وحزبه دق جرس الإنذار لكثير من تلك الأنظمة والشعوب، حيث سادت عمليات التخريب والحرق والتدمير والنهب والسلب للمال العام والذي أطلق عليها تسمية الحواسم، حيث أباح رئيس النظام لأعضاء حزبه وأجهزته الاستحواذ على الممتلكات العامة المنقولة ومن ثم اعتبارها ملكا لهم في حالة عدم عودته!، وما فعله سيئ الصيت برايمر في حله للجيش والإعلام والأوقاف والداخلية ومنظومات الامن الوطني التي تركت البلاد والمجتمعات في فوضى عارمة باستثناء إقليم كردستان العراق الذي كان يتمتع باستقلال ذاتي عن النظام، مما دفع معظم كوادر هذه المؤسسات إلى الانتقال مباشرة للخندق المقابل والمضاد للعملية السياسية التي بدأت في إحداث التغيير الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات، سواء كان هذا الخندق مملوكا أو موجها من قبل القاعدة أو منظمات التطرف الديني او لمخابرات دول الجوار او بقايا تنظيمات حزب النظام الذي تشتت الى اجنحة وافخاذ مناطقية وقبلية ومذهبية ومخابراتية، مما سهل قيام دوامة العنف وإدامتها وإعاقة عمليات التحول والبناء.

 

    هذه التطورات التي افرزت حربا طائفية مقيتة وبلورت محاصصة انحدرت الى مستويات قبلية وفردية بعيدة عن فكرة المواطنة والتوافق بين المكونات المعمول بها في كثير من البلدان ذات التنوع العرقي والقومي والديني، وما رافق ذلك من فساد مالي واداري وتهافت على المناصب والامتيازات وضياع مبدأ المواطنة بين هذه التجاذبات وطوفان الانتهازية والتسلق على سلالم المحسوبية والمنسوبية، أحال عملية انهيار النظام وهروب قياداته وتداعيات البدائل الى بعبع ارعب كثير من شعوب المنطقة وقواها السياسية المعارضة التي كانت وما زالت تعاني من الاستبداد والدكتاتورية في انظمتها السياسية من أن تتحرك باتجاه التغيير، بل ودفع كثير من تلك الأنظمة الى التورط في الملف العراقي الداخلي درءً لمخاطر انتقال التجربة العراقية بجانبها الايجابي والمتطور اليها، وبالذات تلك التي تشابه العراق في تكوينها العرقي والقومي والديني والمذهبي.

 

    وربما تسببت هذه التخوفات وهذا التحسب لما يقرب من ثمان سنوات من عدم سماع أي صدى لها في المنطقة لفعل العراقيين منذ 2005م وما أنتجته انتخاباتهم الشهيرة في تكوين مجلس حقيقي للنواب ودستور دائم يضمن حقوق كل المكونات القومية والعرقية والدينية، ومن ثم تجاوز تلك الثقافة البائسة في حكم الفرد والحزب الواحد واعتماد حرية الرأي والتعبير وقبول الآخر المختلف وتأسيس دولة المؤسسات والمكونات حينما أدركت ان العراقيين تجاوزوا حاجز الخوف في انتفاضتهم الشهيرة وأسسوا لغد قادم يكون قدوة للآخرين كما يحصل الآن ومنذ انتفاضة تونس ومصر حيث تتجه العيون الى بغداد في السلب والايجاب، بل ويتداول المنتفضون ذات المصطلحات والمطالب في تقديم رموز انظمتهم الى محاكمة علنية والغاء أي دور لنظامهم السابق وما يتصل به من احزاب ومؤسسات ومنظمات وفكر متخلف، وتأسيس دستور دائم ومعاصر يضمن كل الحريات والحقوق والواجبات.

 

     لقد أكدت الأحداث في كل من تونس ومصر ان التجربة العراقية لم تغب عن بال المنتفضين رغم ما رافق تلك الانتفاضتين من خروقات حادة سواء من السلطات او من الغوغاء الذين اندسوا في صفوف المتظاهرين، فقد صرح اكثر من مسؤول في ميدان التحرير بالقاهرة ان العراق يبقى الدرس الكبير الذين تعلمنا منه الكثير فهو العبرة وهو القدوة ايضا!؟

 

kmkinfo@gmail.com

الجمعة، 18 فبراير 2011

من أجل كردستان أجمل

من أجل كردستان أجمل

 

كفاح محمود كريم

 

    يتزايد الحديث عن الفساد والإفساد في المال والإدارة في إقليم ما زال تحت التأسيس في بنيته التحتية والفوقية والوسطية، فهو منطقة تعرضت خلال عشرات السنين الى حروب عديدة وعمليات ابادة وحرق شامل للأرض وما عليها، راح ضحيتها الآلاف من القرى والمزارع والبساتين والمدارس والجوامع والكنائس، وتم تغييب أهاليها الذين اقترب عددهم من 182 ألف طفل وامرأة وشيخ، تم اكتشاف بعض مقابرهم الجماعية التي ضمتهم، بينما ما يزال آلاف مؤلفة أخرى مفقودة تماما، إضافة الى ما تركته تلك الحقبة السوداء من آثار بالغة على تكوين الفرد النفسي والاجتماعي سواء كان هذا الفرد مواطنا عاديا أم موظفا في الدولة ومؤسساتها.

 

    لن نتحدث عن كل تلك المآسي فهي تحتاج الى مجلدات، لكننا سننتقل الى ما بعد الانتفاضة العظيمة التي ارست الاستقلال الذاتي عن الدكتاتورية التي مارست ابشع انواع الحصار على تلك المنطقة مع حصار الأمم المتحدة الذي حول الإقليم الى مكان معزول تماما الا من الحرية التي تمتع بها الأهالي وذاقوا طعمها لأول مرة بعد عشرات السنين من الحكم الدكتاتوري المقيت، ودفعوا ثمنا باهظا من اجلها طيلة سنوات الصبر والمقاومة منذ ربيع 1991م وحتى سقوط النظام في نيسان 2003م.

 

     لقد رافقت عملية بناء الإقليم العديد من الصعوبات والتحديات الكبيرة منها الخارجية وضغوطاتها التي وصلت ذروتها الى منع وصول أي شيء يساعد او يكرس استقلال البلاد او استقرار وتطور أوضاعها، ومنها الداخلية التي وصلت هي الأخرى الى ذروتها في الحرب الأهلية وما نتج عن ذلك من مآسي وويلات وتخريب للاقتصاد المدمر اساسا، إضافة الى الحصار المزدوج من قبل نظام بغداد والأمم المتحدة ودول الجوار الذي ضيق الخناق على الأهالي وضاعف مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، كما رافق تلك العملية ايضا العديد من الأخطاء والفساد في ظل الظروف التي ذكرناها، ونشأت طبقات طفيلية كثيرة كانت وما تزال أشبه بالعناقيد تستوطن هنا وهناك وتعيش على مظاهر المحسوبية والمنسوبية والصراعات الداخلية ابان عقد التسعينات من القرن الماضي مما خلق مجاميع من المرتزقة والانتهازيين استطاعوا بشكل او بآخر النفوذ الى بعض المواقع تحت خيمة المصالحة الوطنية او التنافس الحزبي مما اربك عملية البناء والتحديث التي يقودها ذات الثوار الذين انجزوا الجبهة الكردستانية في نهاية ثمانينات القرن الماضي وقادوا انتفاضة الربيع في آذار 1991م.

 

    لقد تم انجاز الكثير في طريق البناء وخاصة ما له علاقة بالبنية التحتية للإقليم وفي ما يتعلق بالتربية والتعليم والجامعات والمعاهد ومشاريع الماء والكهرباء والسكن والطرق والمواصلات وتنظيم المدن وتشريع القوانين وما يخص السلم والأمن الاجتماعيين قياسا بما تم تنفيذه خلال نفس الفترة في العراق عموما وبشهادة كل من زار الإقليم سواء من المسؤولين والمواطنين العراقيين او من الإخوة والأصدقاء القادمين من بلاد أخرى، ومع وجود كل التناقضات والأخطاء ايضا التي رافقت عملية البناء والاعمار والتحديث بشكل عام على مستوى الإقليم، الا ان ما تم انجازه ربما يتجاوز كل ما انجزته الدولة العراقية منذ تأسيسها وحتى سقوط نظامها السياسي في نيسان 2003م للمنطقة. 

 

       لقد دعا رئيس الاقليم بشكل شفاف كافة الأحزاب والكتل والأفراد والصحافة والإعلام الى تشخيص مكامن الفساد ومراكزه ورموزه بشكل دقيق وموثق وشجاع من اجل كردستان افضل واجمل واطهر، بشكل يعكس التطور الحضاري للإقليم وممارساته الدستورية تحت قبة البرلمان ومؤسسات الدولة وقوانينها.

 

      انها عملية ليست هينة ولا تقتصر على اشخاص بذاتهم في سلم المسؤولية بل هي عمل جمعي وموقف وطني يتطلب مصارحة القيادة ومؤسساتها في السلطات الثلاث بشكل واضح وشجاع تلبية لدعوة الرئيس مسعود بارزاني في اقليم تأسس بانتفاضة عظيمة كانت الأولى من نوعها في المنطقة ضد اكبر الدكتاتوريات في العالم، وقد انتجت تلك الانتفاضة حكم الشعب لنفسه في اول انتخابات عامة حرة ونزيهة افرزت مؤسسات كردستان التشريعية والتنفيذية والقضائية التي صاغت قوانينها وتشريعاتها تحت قبة البرلمان من خلال اعضاء تم انتخابهم بشكل حر ومباشر من الشعب لأول مرة في تاريخ البلاد.

 

    ان الاجتماعات الأخيرة لأحزاب كردستان وفعالياتها السياسية ممن هي في الحكم او في المعارضة بدعوة من رئيس الاقليم لمناقشة اوضاع البلاد وما يجري حولها ودعوة البارزاني للجميع في التعاون من اجل محاربة الفساد والقضاء على مكامنه انما تأتي لإشراك كل الأهالي وممثليهم في الأحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني بالعمل من اجل ذات الأهداف التي يعمل لها الجميع حتى تكون كردستاننا الأفضل والأجمل والأطهر،  فشعب كردستان الذي انتفض قبل ما يقرب من عقدين من الزمان وأسس حكمه ونظامه الديمقراطي الدستوري، سينجح اليوم من خلال تلك المؤسسات في تطوير وتحديث وتطهير تلك المفاصل التي طالتها فايروسات الفساد من اجل وطن أجمل نفتخر به ونفاخر.

 

kmkinfo@gmail.com   

الاثنين، 7 فبراير 2011

كردستان وليدة الشرعية الديمقراطية

كردستان وليدة الشرعية الديمقراطية

 

كفاح محمود كريم

 

    أثار البيان الذي اعلنته جماعة التغيير في اقليم كردستان تساؤلات كثيرة ربما في مقدمتها هل ستأخذ كردستان تسلسلا في قائمة الدول التي تتعرض لانتفاضات شعبية مصحوبة بالفوضى والتخريب، متناسية ان الوضع في كردستان لم يكن حصيلة انقلاب عسكري او استحواذ على السلطات، بل ان الاقليم كيان فيدرالي يتمتع بنظام حكم ديمقراطي منتخب بشكل مباشر وحر من قبل الأهالي المؤيدين والمعارضين، وربما هناك الكثير من تلك التساؤلات ولكن يبقى السؤال الأهم لماذا هذا البيان وما الغاية منه في مثل هذه الظروف، خصوصا اذا ما علمنا ان السلطات الثلاث لم تأت بانقلاب عسكري او تسلط انفرادي دونما دور للآخرين ومن ضمنهم أصحاب البيان الذين شاركوا بشكل فعال في كل الأحداث منذ أولى ساعات الانتفاضة في ربيع 1991م وحتى يومنا هذه سواء كانت تلك الأحداث مما يعتز ويفتخر بها المواطن او يأسف لها ويخجل من ذكراها!؟

 

    وبعيدا عن التاريخ والجغرافيا وكيف ومتى واين، وصولا الى الحال بعد سنوات طوال في اول ربيع 1991م حينما بدأ الزمن يسجل ولادة كيان وملاذ للسلم والامان، تعبقه ارادة السكان ومن يمثلهم بعيدا عن السطوة والتسلط والنفوذ، حيث اختار الثوار والاهالي معا قانون الديمقراطية وقبول الآخر لحياة جديدة في الاقليم، ومن أجل ذلك كانت اول انتخابات حرة شفافة على هذا الجزء من دولة العراق بعيدا عن الدكتاتورية والاستبداد وذلك منتصف عام 1992م، ومنها انبثق اول برلمان كردستاني مثلت فيه جميع طوائف وفعاليات ومكونات الاقليم كل حسب استحقاقه الانتخابي بشهادة دولية معروفة آنذاك، لتنطلق أول حكومة كردستانية يمنحها البرلمان ثقته لتقود الإقليم الى آفاق التقدم والازدهار.

 

    لم تكن التجربة سهلة خصوصا اذا ما علمنا الإرث الثقيل من تراكم التخلف في كل مناحي الحياة في المدن والأرياف، بعد ان حطمت الحروب طيلة عقود من الزمان البنية التحتية للمنطقة تماما، فقد كانت المنطقة محاصرة بشكل مزدوج من قبل الأمم المتحدة والنظام العراقي بعد غزو الكويت، وتعرضت الى ضغوط هائلة من مختلف دول الجوار حتى ادت الى نشوب الحرب الأهلية التي كادت ان تدمر البلاد برمتها، لولا نداء العقل والروح الوطنية لدى كل المتخاصمين الذين ايقنوا ان مركبهم ان غرق فانهم سيغرقون جميعا دون استثناء، ففي كل هذه الأحداث صغيرها وكبيرها كانت كل الأطراف تشترك كل حسب حجمه وتأثيره سلبا او ايجابا بما فيهم اصحاب البيان الذي يدعو الى استقالة الحكومة والبرلمان الذي يتمتعون فيه بعدد غير قليل من الكراسي المؤثرة.

 

   لقد نجحت كل الأحزاب والحركات السياسية في انجاز السلام الاجتماعي والامن الداخلي من خلال توافقها ونضالها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وهيأت نفسها واقليمها للدخول الى حقبة ما بعد صدام حسين، وقيام الدولة العراقية الاتحادية الديمقراطية التعددية، لتساهم بشكل جدي ومؤثر في حياة العراق السياسية والاقتصادية الذي ابعدت عنه لعقود طويلة، ولكي تنجح في توحيد الإدارتين في إدارة واحدة اندمجت فيها وما زالت تندمج كل المؤسسات والوزارات وخاصة المؤسسة العسكرية والأمنية.

 

    واليوم وبعد ان افرزت الانتخابات الاخيرة في الاقليم هذا البرلمان الذي تستحوذ فيه المعارضة التي تتبلور الآن، على أكثر من ثلث المقاعد بما فيهم جماعة التغيير التي حققت بفضل نجاح التجربة الديمقراطية انتصارت مهمة جدا في الانتخابات التي وصفها المراقبون الدوليون بانها واحدة من الانتخابات النظيفة ضمن قياسات دولية واوربية متداولة، وهي بالتالي أي هذه الجماعة وغيرها من الفعاليات الكردستانية اشتركت وساهمت في كل عمليات النجاح والتقدم التي حصلت في الاقليم وفي ذات الوقت لها حصتها ايضا من التلكؤ والاخطاء والفساد والافساد اينما كان ومهما كان وحسب حجمها وتأثيرها.

 

    ان مؤسسات الاقليم كما قلت ويعرف الجميع لم تأت بانقلاب كولينيالي او بأجندة اجنبية، بل جاءت نتيجة مخاض جماهيري في عملية تحول من شرعية الثورة الى الشرعية القانونية والدستورية اشتركت فيها كل الاحزاب والحركات الوطنية الكردستانية، وساهمت بكل ما جرى من احداث وتطورات منذ انتفاضة الربيع عام 1991م ولحد يومنا هذا، سواء ما كان منها ايجابيا او سلبيا، وليس هناك عنصر واحد من خطوط المسؤولين المتقدمين في الدولة اعتبارا من رئيس الاقليم ونزولا الى رؤساء الوحدات الادارية والحزبية لم يمتد تاريخه النضالي الى سنوات طويلة في القتال من اجل حرية ومستقبل كردستان، كما انه لا احد ينكر وجود فساد في المال والادارة، ولا احد يتعالى على نقاط الخلل والاخطاء او ينكرها هنا وهناك، ويكذب من يدعي ايضا اننا واحة سويسرية او اوربية كما يحاول بعض المتفائلين جدا ان يخلطوا بين الحلم والحقيقة، كما انه ليس هناك عاقل يستطيع ان يقول اننا انجزنا شعار الانسان المناسب في المكان المناسب، او يدعي بعدم شيوع المنسوبية والمحسوبية والعشائرية في نظامنا الاجتماعي والسياسي، او ان نظامنا الاداري او المالي او الاقتصادي او حتى الاجتماعي خال من عيوب كثيرة ربما تصل في بعضها الى الجرم الخارق للقانون؟

 

    لكننا في ذات الوقت انجزنا انتخابات عامة تميزت بالايجابية والشفافية العالية حسب توصيفها من قبل معظم المراقبين الدوليين، واولهم الهيئة المستقلة للانتخابات العراقية وممثلي الاتحاد الاوربي والامم المتحدة والجامعة العربية، رغم ما حصل من خروقات هنا وهناك، الا انها كانت في حدود قياساتها الدولية في افضل بلدان العالم ديمقراطية، هذه الانتخابات انتجت برلمانا شرعيا ضم لأول مرة اعداد ليست قليلة ومهمة جدا من المعارضين للحزبين الرئيسيين، ومن ثم انجزت كابينة حكومية نالت ثقة غالبية اعضاء البرلمان واعترض عليها من اعترض ايضا، وفي نفس السياق تم انتخاب رئيس الاقليم من عدة مرشحين ونال السيد بارزاني ما يقرب من 70% من اصوات الناخبين، لقد انجزنا جميعا خلال عقد من الزمان فقط ما لم تنجزه الدولة العراقية منذ تأسيسها في اوائل القرن الماضي وحتى سقوطها في نيسان 2003م من مشاريع وطرق وجامعات ومدارس واعمار مدن وقرى وتحديث للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 

    اذن مؤسسات اقليم كردستان لم تكن مصنوعة في دهاليز الحزب الواحد او ان رئيسها قاد انقلاب عسكري ليأتي الى قصر الرئاسة، وكذا حال حكومتها وكثير من المؤسسات الاخرى، فهي نتاج شرعية قانونية فرضتها نتائج الانتخابات العامة الأخيرة وهي بالتالي اتفاق بين كل الكتل والأحزاب والمكونات ومن ثم فهي تعكس اختيارات الاهالي في الاستفتاء الأخير، ولذلك لا اعتقد ان هناك أي فرصة لنجاح تمرد خارج عن القانون والدستور، فشعب كردستان يدرك جيدا إن كل ما موجود في الاقليم من برلمان وحكومة وقضاء وصحافة واعلام واجهزة امنية وعسكرية انما جاءت وليدة نضال دؤوب اشتركت وساهمت فيه كل القوى العاملة اليوم دون استثناء وكل حسب حجمه وقوته من اجل ذات الهدف التاريخي الوطني والقومي، ومن ثم فهي وليدة تجربة ديمقراطية امتدت منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، وتمثل عصارة نضال هذا الشعب طيلة تاريخه المعاصر، في كل اجزاء الوطن وتمثل بحق أمل الشعب الكردستاني برمته، انها ليست ملك فرد ما او حزب بعينه او طبقة محددة بل هو ملك كل الأمة شبابا وشيبا نساءً ورجالا، وان كان هناك إخفاق ما او نجاح معين او رأي مختلف فقراءته وتقييمه إنما يكون تحت قبة البرلمان وعلى سلم القانون والدستور، وكل هذه المؤسسات هي المرجع والمحك وغيرها يرفضه الشارع ويعتبره خروجا عن الشرعية وانتهاكا لتقاليد النضال المشترك من اجل ذات الأهداف المقدسة.

 

    كردستان وليدة شرعية ديمقراطية، ومؤسساتها الرئاسية والبرلمانية والحكومية بكل أشكالها نتاج تجربة دستورية وقانونية اشتركت فيها كل الأطراف المؤيدة والمعارضة، وهي تمثل عصارة نضال أجيال من الفلاحين والعمال وكل طبقات المجتمع ومكوناته العرقية والدينية والمذهبية، وهي بالتالي حلم الملايين من ابناء هذا الشعب عبر التاريخ وحري على الجميع احترام هذا الانجاز والاعتزاز به والعمل من اجل تطويره وتقليل مساحة الخلل والفساد من خلال الآليات المعمول بها في كل الديمقراطيات الحقيقية في العالم للوصول الى الهدف المرتجى لدى كل القوى بما فيها المعارضة التي تبلور واقعا جديدا نفتخر به جميعا لو نجحت في انجاز معارضة وطنية تخدم وتعمل من اجل المصالح العليا لشعب اقليم كردستان ومنجزاته التاريخية.

 

kmkinfo@gmail.com

 

السبت، 29 يناير 2011

الاتقاد الادمي وسقوط الجبابرة؟

الاتقاد الآدمي وسقوط الجبابرة؟

 

كفاح محمود كريم

 

   ربما لا ينظر البعض الى ما يحصل اليوم من عمليات الاحتراق التي يقوم بها مناوئين ومعارضين للأنظمة الشمولية، كونها تقع في باب الانتحار الذي عرفنا له معان كثيرة تتكثف في معظمها حول اليأس والإحباط الذاتي المتأتي من إشكالات شخصية سواء كانت مادية او اجتماعية كقضايا الشرف والإفلاس والخيانة، ومنهم احد الباحثين في معهد الأبحاث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي وهو الباحث ميكائيل عياري:

 

  ( إن هذه السلسلة من الانتحار حرقا علامة على مأزق سياسي وفراغ فكري، وتكشف أيضا الخلل الذي تعاني منه المجتمعات العربية ).

ويضيف الباحث على الصعيد الرمزي:

  ( النار تدمر وتبني، تميت وتحيي، على صورة طائر الفينيق الذي يبعث من رماده... وقد تمثل هذه الظاهرة أيضا حالة من التجدد السياسي: أحرق نفسي وأدمر الذين يدمروننا ).

 

    دعونا نعود قليلا الى الوراء مع اولئك الذين احرقوا انفسهم احتجاجا على عملية اعتقال الزعيم الكردي عبدالله اوجلان من قبل مجموعة من اجهزة المخابرات الدولية بالتعاون مع العسكر التركي في تسعينات القرن الماضي، والتي اثارت ضجة كبيرة في الشارع الأوربي عموما، وهي واحدة من اكثر ردود الأفعال مقاومة من مجموعات من الشباب العزل امام جبروت وطغيان الاستبداد والظلم.  

 

    انها ليست عملية انتحار نتيجة يأس او عجز او مرض، ولا هي عملية ايذاء للآخرين كما يفعل انتحاريو القاعدة وغيرها في قتل اكبر عدد ممكن من البشر بصرف النظر عمن تستهدفه عملية الانتحار من الأبرياء اطفالا كانوا أم نساء، بل هي واحدة من أكثر وسائل التعبير قساوة على الذات في كراهية النظام والطغاة، حينما يقرر صاحبها حرق جسده ليترجم مشاعره استنكارا لحكم هؤلاء الجبابرة، وصرخة معبقة بألم الموت احتراقا من اجل إيصال الفكرة وإثارة الرأي العام والجمهور لكي يتحرك باتجاه ذات الهدف متوخيا أن لا يؤذي من حوله بأي شكل من الأشكال وكائن من يكون.

 

    لقد أشعل الشاب التونسي ( محمد بو عزيزي ) شرارة الثورة باحراقه لجسده لتنتقل صرخاته المليئة بالرفض والمقاومة والمعبقة بألم الظلم والاستبداد الى كل شارع وحارة ومدينة وقرية، حتى ضاقت تونس الخضراء وجبروت حكامها، أمام رئيسها الذي ولى هاربا لكي لا يسمع مزيدا من تلك الصرخات التي ستحرقه هو الآخر!

 

    وخلال ايام قليلة انتشرت نيران الاتقاد الآدمي في كل من مصر والجزائر والعديد من الدول التي يتعرض اهاليها الى القهر فقرا او عبودية، فقد توفي الشاب الذي احرق نفسه في الاسكندرية قبل عدة ايام، وكان هذا الشاب عاطلا عن العمل وقد صعد الى سطح منزله في حي المنتزة (شرق الاسكندرية) واضرم النيران في نفسه، بينما اضرم مصريان اخران النار في جسديهما خلال الثماني والاربعين ساعة الاخيرة كما تمت السيطرة على شخص ثالث قبل ان يشعل النيران في نفسه.

 

ولم تقتصر عملية الاحراق على شباب في منتصف العشرينات او الثلاثينات كما جرت العادة لدى كثير من الانتحاريين، فقد أضرم محامي يدعى محمد فاروق في الأربعينات من عمره، النار في نفسه امام مقر مجلس الوزراء في القاهرة ونقل الى المستشفى مصابا بحروق خفيفة، لكنها أي تلك الحروق طالت مئات الآلاف لكي تحرك الشارع المصري الذي يلتهب الآن؟

 

    وفي معظم هذه العمليات يشعر صاحبها بمهانة كبيرة تنتقص من ادميته وكرامته مما يدفعه الى الاحتجاج باقسى انواعه دون المساس بالآخرين، فقد أضرم رجل خمسيني النار في جسده امام مقر مجلس الشعب المصري بعيد انتفاضة تونس بعدة ايام قائلا للمحقق وهو يلفظ انفاسه الأخيرة انهم يهينوننا امام اطفالنا واسرنا اثناء سعينا للحصول على حصة اسرنا من الخبز المدعوم؟، ولم تقتصر عملية اضرام النيران في الاجساد على تونس ومصر، ففي الجزائر حاول خمسة اشخاص انهاء حياتهم باضرام النار في انفسهم خلال الايام الاخيرة، وفي موريتانيا اضرم رجل النار في نفسه بالقرب من رئاسة الجمهورية، في صرخة مدوية مغطاة باللهيب يتعالى فيها الألم والرفض لكل مظاهر الاستبداد والظلم الحكومي للشعب.

 

     وعودة الى موضوع الانتحار بالنار فهو عارض من أعراض القلق الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي والفكري ولا توجد له خلفية دينية، فالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي التي تتصدر الاهتمامات وليس الجانب الديني. والأزهر لم يتردد في التذكير بأن الانتحار محرم في الإسلام، كما أن ظاهرة الانتحار حرقا ليست من العادات الشائعة والرائجة في المجتمعات الشرقية عموما. ومن المرجح أن محمد البوعزيزي حين أشعل النار في جسده بمدينته النائية (سيدي بوزيد) لم يتصور أنه سيجسد المصاعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشرائح واسعة من الشعب العربي ويتحول إلى هذا الرمز الكبير.

 

     لقد كشفت الأحداث الأخيرة الكم الهائل والعميق من مشاعر الكراهية والاشمئزاز تجاه الأنظمة المستبدة وجبابرتها المنفردين بالسلطة والمال والنفوذ، ومن نرجسيتهم المتعفنة التي أوصلت هذه المجاميع الى درجة الاتقاد رغم ما تردده كل وسائل الإعلام من تمجيد وتجميل لتلك الأنظمة ورموزها، هذه المشاعر المليئة بالحزن والألم والاعتراض والقهر تمثل مزاج الشعوب الحقيقي حينما يقرر ابناؤها إيقاد أجسادهم حرقا بكل ما في ذلك من الم وعذاب دون التفكير بإيذاء احد نتيجة تلك العملية إلا استثارة الرأي العام وتحريكه باتجاه الانتفاضة ضد الاستبداد والطغيان ورفض ذلك النمط المذل من الحياة، رفضا ومقاومة لتلك الأنظمة الفاسدة ورموزها التي انتهكت حقوق البشر والحضارة في اسلوب حكمها وإدارتها للبلاد وتشبثها بكراسي السلطة والنفوذ واستحواذها على مصادر المال العام بعيدا عن القانون والعدالة الاجتماعية.   

 

kmkinfo@gmail.com

 

 

   

 

الأربعاء، 5 يناير 2011

الوزارة العراقية: ترضية أم تنافس؟

الوزارة العراقية: ترضية أم تنافس؟

 

كفاح محمود كريم

 

    سبق وان تناولنا ذات الموضوع ولكن تحت عنوان آخر موسوم بـ حكومة جبر الخواطر او المراضاة التي انتجتها عشرات الاجتماعات واللقاءات، كللها مؤتمر اربيل الذي دعا اليه رئيس اقليم كردستان العراق ومنه انطلقت مبادرة الرئيس بارزاني وما تلاها من جولات تفاوضية تمخضت اخيرا على تقاسم السلطة باسلوب المشاركة وترضية الجميع، حيث نجح الفرقاء في انجاز التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة المراضاة بين جميع الاطراف الا من كان يمتلك مقعد او مقعدين وحرمهما دولة الرئيس من الاستيزار او الترشيح لمجلس الحكومة، وبذلك اغلقت الابواب كافة امام تشكيل كتلة للمعارضة، الا اللهم اذا نجحت مقاعد الشتات التي تتألف عادة من واحد الى ثلاث او اكثر بقليل لتشكل كتلة للمعارضة في البرلمان الذي خلت مقاعده من مشاكسات الرأي الاخر، لتقف بالمرصاد للحيتان الكبيرة او اسماك القرش في محيط مجلس النواب العتيد!.

 

     وليس بخاف على احد ما ينتظره المواطن والاهالي عموما، فهم ليسوا معنيين بالاسماء ولا بالمناصب ولا يطمعون بمنافسة احد منهم على منصبه بما في ذلك مناصب الفخامة والسعادة والمعالي، بقدر تعلق الامر بمصالحهم الاساسية وهي تختزل دائما ومنذ عقود، بعدة مطالبات لا تتجاوز في اكثر الاحيان والامور تفاؤلا عشر مطالب او ربما اقل، وفي مقدمة ذلك الامن والسلم والعدالة الاجتماعية، وموضوعة الكهرباء والبطالة والسكن، ويعقبهم في الاهمية بعد ذلك ما يتعلق بالبنية التحتية للخدمات وفي مقدمتها شبكات الطرق والمجاري والارياف والانتاج والاستيراد، فقد اغرقت الاسواق ببضائع مستوردة كانت تنتج محليا، حتى ترى في اسواقنا التمر المستورد وما ينافس لبن اربيل ومياه دجلة والفرات، حتى كادت عجلة الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي ان تتوقف تماما!؟

 

     واذا كانت واحدة من ابشع جرائم النظام السابق تجفيف الاهوار، فان ما يجري الان ومنذ سبع سنوات من اغراق للسوق بكل ما تنتجه ارض البلاد في الجنوب وفي الجبال من الذ واطعم ما خلق رب العباد، تعد اكثر بشاعة من تجفيف تلك الاهوار فهي تجفف الارض والانهار وتقتل بوادر الانتاج والابداع وتحيل الانسان الى كائن مستهلك غير منتج، وهي ايضا تنافس اقذر جرائم النظام في مقابره الجماعية وانفالاته التي نافست كل عارات البشرية عبر التاريخ، ما تفعله اليوم ومنذ سبع سنوات عصابات التهريب لثروات العراق وخيراته بشكل منظم لإفراغه تماما مما يتميز به من كنوز في الزراعة والثروة الحيوانية والبشرية.

 

     واذا كانت هذه الحكومة قد تشكلت على اساس المراضاة فان ما يرتجى منها اليوم وغدا، ان يبدأ اعضاؤها بالتنافس في ما بينهم من أجل خدمة المواطن والاهالي، لكي تثبت كل الكيانات والاحزاب انها وصلت الى دفة الحكم لخدمة البلاد لا الى خدمة الذوات الذين انتشروا منذ عدة ايام في عرض البلاد وطولها، ومنهم من حزم حقائبه ليزور بلاد الجوار وما بعد الجوار، نتمنى جميعا ان تكون تلك الغزوات لله ولعباده لا للتباهي او المزايدة واستعراض العضلات، فالكل هنا يغني لـ ( ليلى ) وليلى تثقلها الجراح ويتعالى انينها حتى لا يستر الليل عورتها ولا البيوت تحجب اعداؤها!؟،   فقد مل الشعب من كثرة الاقاويل والاكاذيب ولم يعد يصدق ( واٌقسِم ) لو قالت له الحكومة وهي تؤشر للشرق انه شرق لما صدق ذلك!؟ 

 

    ان فقدان الثقة بين الاحزاب والمكونات ومن ثم بين الشعب والحكومة وبقية السلطات الاتحادية يحتاج اكثر ما يحتاج اليوم الى تنافس كل هذه القوى من اجل اعادة تلك الثقة المفقودة من خلال التنفيذ الجدي لتلك الوعود التي قطعتها الكتل والاحزاب والمرشحين لمجلس النواب والحكومة ايام كانوا يحتاجون اصوات الناخبين وتأييد الأهالي، وقد وصلوا اليوم الى تلك المراكز التي تؤهلهم لتنفيذ بعضا من تلك الوعود ولا نقول جميعها،  لترضية الاهالي واقناعهم بشرعية وجودهم ولكي يكونوا ثانية بعد سنوات اربع قادمة حاضرين حين الطلب لمنح المجدين والصادقين ثقة بتوليهم مراكز أخرى أكثر تقدما او تأثيرا.

 

     ان حلبة اثبات الشرعية مفتوحة امام الجميع لتأكيدها والعمل بموجبها، والصراع الآن في الساحة هو لإثبات وإعادة الثقة بين الأهالي ومن يدعي تمثيلهم او قيادتهم، فاذا لم ينجحو في تشكيل الحكومة الا بالمراضاة وجبر الخواطر فان التنافس هو الوحيد الذي سيثبت نجاحهم وتقدمهم وشرعيتهم، هو التنافس من اجل الاسراع في حل مشاكل المواطنين وتحقيق مطاليبهم الاساسية في الحياة الحرة والكريمة بعيدا عن المزايدات والشعارات التي تسببت في انهيار الدولة وسقوط النظام بعد حكم ما يقرب من اربعين عاما من اللف والدوران والأكاذيب والوعود الجوفاء التي أدت الى ضياع كل شيئ بما في ذلك المال والجاه والسلطة والحياة!؟

 

 

 

kmkinfo@gmail.com

الخميس، 23 ديسمبر 2010

لنتحاور.. من أجل مستقبل مشرق؟

لنتحاور*.. من أجل مستقبل مشرق

 

كفاح محمود كريم

 

     ربما يفهما البعض بانها مفردة تعني الامر بالحوار، الا ان ثمة من يقول انها تعني علاجا وملاذا للمختلفين والمتخاصمين جميعا في الرأي والفكر، بعد ان جربوا كل وسائل العنف والتقاتل وتبادل الاتهامات والتخوين والتشهير التي استنزفتهم واضعفتهم دون استثناء، ففي بلادنا ذات التاريخ الاقدم والحضارات الاعرق والتنوع الاكثر تفردا في العالم، والانسان الاكثر حساسية بين البشر، ومنذ تأسيس دولتها السياسية في مطلع القرن الماضي لم تتعود على لغة الحوار وقبول الاخر المختلف الا في فواصل ضيقة من تاريخها، بل كانت ساحة صراع مرير سواء المعلن منه في حروب شهدتها عبر التاريخ او غير معلن في حروب اهلية استمرت طيلة عقود عجاف راح ضحيتها الاف مؤلفة من خيرة رجال ونساء مكونات هذا الشعب الذي سادت ازمانه طويلا لغة العنف والاستبداد والغاء الاخر، حيث استبدلت الانظمة الحاكمة مبدأ تداول السلطة سلميا عن طريق صناديق الاقتراع بدبابات تسيطر على القصر الجمهوري وعدة مئات من القتلى والمعتقلين ومن ثم عهود من البؤس والتقتيل، حتى دخلت البلاد في اتون حروب مدمرة كادت ان تحيل العباد والبلاد الى كومة من تراب.

 

     كومة التراب هذه التي تمناها النظام السابق وتوعد بها للعراق بدلا من الحوار مع الاخرين اذا ما ازيح عن السلطة، كلفت الشعب بما فيهم اتباعه ومريديه ملايين الضحايا من القتلى والجرحى والارامل والايتام والمهجرين والنازحين، وبلاد يكاد يمتزج أنينها مع تقهقرها بسبب انشغال كامل مؤسسات الدولة بالعسكر والشرطة وما يحتاجون من عدة وعدد على حساب تطور المجتمع وخدماته الاساسية، هذا الصراع العنيف بين قوى الماضي المستبد والدموي وبين النظام الجديد ورغم الصور القاتمة امام البعض مما يجري منذ سنوات طويلة فان هناك عملية تحول كبيرة على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية رغم قساوة الهجمة التي يتعرض لها الشعب، ولعل اهم ما في عملية التحول هذه هي اسلوب تداول السلطة وقبول نتائج الانتخابات والرضوخ لما يريده الشعب، بعيدا عن التكابر والاستئثار بالسلطة او الاستبداد والغاء الاخرين.

 

     ان قبول الاخر المختلف هو سمة من سمات التحول الى المجتمع الديمقراطي والحياة الراقية، وان الحوار هو الاسلوب الاكثر رفعة وسموا بين المختلفين للوصول الى قناعات مشتركة حتى بوجود الاختلاف يبقى المشترك الاساسي هو الايمان بالحوار وسيلة للتفاهم والتوافق وايجاد المشتركات الاخرى، فقد تسببت لغة التشهير والتخوين والاتهامات الباطلة في انتاج دوامة عنف ادت الى مقتل الكثير من خيرة رجالنا ونسائنا وزرعت احقادا وعداواة أثرت بشكل حاد على امننا الاجتماعي ونسيج تعايشنا، مما تسبب في فقدان الثقة وتفكك كثير من العلاقات بين افراد المجتمع وتكويناته.

 

     ان مجرد تأييد الاخر لك لا يعني انك على حق تماما، كما ان مجرد اختلاف الاخر معك لا يعني ايضا انك على خطأ، ومن كلتا الحالتين علينا بقبول الاخر المختلف والمؤيد على اسس ديمقراطية متحضرة بعيدا عن لغة التسلط او الانفراد او التخوين أو التكفير وما بينهما من تدليس او نفاق او مجاملة.

 

إذاً... لنتحـــــاور

 

       من اجل ان نتجاوز تلك المرحلة السوداء من تاريخنا السياسي والاجتماعي ونقبل ببعضنا على اساس الايمان المشترك بالعراق الديمقراطي الاتحادي التعددي بغض النظر عن القومية والعرق والدين والمذهب والعقيدة، نتحـــــاور من اجل ترسيخ قناعة كاملة بقبول الآخر المختلف واحترام رأيه دون الانتقاص او التهميش او الالغاء بما يؤهل المجتمع عموما ويعيد بناء الثقة بين مكوناته وافراده، من خلال حل كل المشاكل العالقة بالحوار المخلص والبناء لبلورة مفهوم مشترك للمواطنة والايمان المطلق بتداول السلطة سلميا عن طريق الانتخابات النزيهة التي تتاح فيها كل الفرص لكل الاطراف التي تؤمن بالحوار والرأي الآخر والتداول السلمي للسلطة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

    *لنتحاور: كان اسما لبرنامج تلفزيوني اسبوعي حواري مباشر من اعداد وتقديم الكاتب طيلة اكثر من خمس سنوات ( ايلول 2004م - تشرين اول 2009م )

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

فاتن نورالدين

الاعلام العربي وحق تقرير المصير

 

كفاح محمود كريم

 

 

    فجأة ودون سابق انذار او اعلام تنكرت العديد من وسائل الاعلام العربية لواحدة من اهم الحقوق البشرية والمبادئ الانسانية التي تضمنتها كل العهود والمواثيق والمعاهدات الاممية الوضعية منها والدينية، بل هي واحدة من ملزمات اعتراف واحترام أي كيان يستقل او يتم تأسيسه منذ بدأت شعوب الارض بتأسيس كياناتها المستقلة واصبحت دولا واقاليم، فقد احدثت الفقرة التي تناولت حق تقرير المصير في خطاب رئيس اقليم كردستان العراق اثناء افتتاحه لأعمال المؤتمر 13 للحزب الديمقراطي الكردستاني ضجة اعلامية كبيرة شابتها تخوفات وتحذيرات من تقسيم البلاد وتجزئة العراق بادعاء ان المطالبة بحق تقرير المصير سيؤدي الى انفصال اقليم كردستان(!) رغم ان هذا الحق والمبدأ أي تقرير المصير يعتبر من اهم فقرات دساتير العالم واعرافه ومبادئ الانسانية المتحضرة. 

 

     وحق تقرير المصير (right of self-determination ) كما جاء في كثير من المصادر والمراجع*:

 

هو مصطلح يستخدم في مجال العلوم السياسية والدولية التي تشير الى  حق كل مجتمع ذي هوية جماعية متميزة، مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرهما، بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل لديه  من أجل تحقيق هذه الطموحات وإدارة حياة المجتمع اليومية، وهذا دون تدخل خارجي أو قهر من قبل شعوب أو منظمات أجنبية.

 

    ويأتي استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قبل الرئيس الامريكي وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى، مع أن بعض الأدباء والعلماء استخدموا مصطلحات مماثلة من قبل، حيث اصبح هذا المبدأ في حق تقرير المصير من أسس معاهدة فيرساي* التي وقعت عليها الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الأولى، والتي دعت الى تأسيس دول لشعوب أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الألمانية، وكذلك  في فترة لاحقة من القرن الماضي حيث استخدم هذا المبدأ كأساس في سياسة إزالة الاستعمار التي سعت إلى تأسيس دول مستقلة في إفريقيا وآسيا بدلا من المستعمرات الأوروبية.

 

    بعد الحرب العالمية الأولى شاعت فكرة أن المجتمع الذي يحق له تقرير المصير هو مجموعة الناس الذين تجمعهم لغة واحدة وذوي ثقافة مشتركة ويعيشون على ارض معينة ذات حدود واضحة، واصبح هذا المبدأ أو الحق يمارس تطبيقيا عن طريق إقامة دول أمة أو مناطق للحكم الذاتي، وعلى هذا الاساس فأن أي مجموعة بشرية ذات لغة وثقافة مشتركتين يمكن اعتبارها قوما أو شعبا ويمكن إعلان المنطقة دولة مستقلة أو اقليما ذات حكم ذاتي في إطار دولة فيدرالية.

 

وقد تبين ان هذه الأفكار قد تؤدي الى قيام عشرات الدويلات ذات الحدود الطويلة والمعيقة للتبادل التجاري وحرية العبور والسفر حيث بلغت المطالبات مبلغا جعل القادة الاوربيون يميلون الى تأسيس فيدراليات تضم عدة شعوب تتمتع باستقلال ذاتي كما في تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، ولكن هذه الشعوب التي شاركت في كل من هذه الأنظمة الفديرالية لم تتمكن من الحفاظ على جهاز السلطة المشتركة لمدة طويلة، فانفصلت اقاليم هذه الفديراليات إلى دول مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، أي عند إزالة الضغوطات الخارجية.

 

لقد اعتمد هذا المبدأ كواحد من اهم مبادئ عصبة الامم وما بعدها في منظمة الامم المتحدة وما اعقب ذلك من تأسيس دول ومنظمات واقاليم اعتمدت هذا الحق او المبدأ الاساسي كفقرة من اهم فقرات دساتيرها وقوانين تأسيسها، وفي مقدمة تلك الشعوب والحركات كانت الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق التي قاد مشروعها النهضوي الزعيم الكردي الكبير مصطفى البارزاني منذ منتصف اربعينات القرن الماضي وجعل من مبدأ وحق تقرير المصير واحد من اهم المبادئ التي تناضل من اجلها الحركة، فاعتمدت ضمن هذا المفهوم مطلب الحكم الذاتي ضمن عراق ديمقراطي وناضلت سنوات طويلة من اجل هذا الحق حتى اذعنت حكومة بغداد في حينها لتوقيع اتفاقية اذار التي اعترفت بحق الكرد في اقامة حكمهم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها اغلبية السكان، الا ان ذلك لم يتحقق تماما بسبب تخلي الطرف المركزي عن التزاماته والالتفاف على الحركة في مخاتلات ومؤامرات ادت الى فشل ذلك المشروع وعودة العمليات القتالية الى المنطقة حتى قيام انتفاضة الربيع في 1991م التي انتصر فيها الثوار واسسوا ملاذهم الامن تحت حماية دولية بعد صدور قرار مجلس الامن المرقم 688 في 5 نيسان/ابريل 1991م.

 

     وخلال سنة واحدة من صدور القرار الاممي نجحت القوى والاحزاب  الكردستانية في ترتيب اوضاعها السياسية والادارية والتشريعية في مؤسسات قانونية وتنفيذية من خلال اجراء انتخابات عامة انبثق عنها وعلى ضوء نتائجها اول برلمان كردستاني وحكومة محلية يمنحها البرلمان كامل الثقة لقيادة المرحلة الجديدة في تاريخ المنطقة، حيث تم اقرار الفيدرالية كتطبيق من تطبيقات حق تقرير المصير في 1992م، وفي ذات السنة طرح الموضوع في مؤتمر فصائل المعارضة العراقية الذي عقد في العاصمة النمساوية فينا عام 1992 والذي ايد ووافق على قرار الشعب الكوردي القاضي بتقرير مصيره ضمن حدود العراق.

 

     لقد كان وما يزال هذا المبدأ او الحق واحد من اهم اهداف ومبادئ الامم المتحدة ومواثيقها وعهودها وهو في ذات الوقت من مرتكزات كل الاحزاب الكردستانية عبر تاريخها وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اعتمده في كافة مؤتمراته منذ تأسيسه في اب 1946م وحتى مؤتمره الاخير الثالث عشر الذي انعقد في اربيل ( 11كانون اول 2010م ) حيث اعلن رئيسه مسعود بارزاني في خطاب الافتتاح إن:

 

    ( المؤتمرات السابقة للحزب تؤكد ان الشعب الكردي يملك حق تقرير المصير. اليوم يرى الحزب ان المطالبة بحق تقرير المصير والكفاح العاصي والسلمي لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة ).

 

    لقد كفل الدستور العراقي الدائم حق شعب كردستان في الفيدرالية واعترف بقيام سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية القائمة منذ انبثاق البرلمان الكردستاني في عام 1992م، وشرع مادة خاصة لحل القضايا المختلف عليها في المناطق التي تعرضت لتغييرات ديموغرافية حادة ايام النظام السابق في الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين بما يعزز الحقوق الاساسية للمواطن وخياراته والتي عرفت بالمادة 140 التي وضعت خارطة طريق لحل كل النزاعات في تلك المناطق.

  

 ان حق تقرير المصير لم يعد مبداً مهما من مبادئ الامم المتحدة ومواثيقها وعهودها بل اصبح اليوم سلاحا بيد الشعوب من اجل تحقيق اهدافها، وفي تجربتنا هنا في العراق سيكون سلاحا مهما للحفاظ على الفيدرالية في كردستان العراق، لذلك فان المطالبة به تكفله كل المواثيق والعهود الدولية، وتقره كل الحركات السياسية والاجتماعية وتعتمده كواحد من اهدافها او شعاراتها، وهو بالتالي تحصيل حاصل لنضال كل الشعوب والمجتمعات والافراد ومنها شعب كردستان العراق وهذا لا يتناقض مع مبادئ الدستور العراقي وتطبيقاته ولا مع النهج الديمقراطي للدولة وشكلها الفيدرالي الذي يضمن تمتع شعب كردستان بحقوقه الاساسية سياسيا وقانونيا واجتماعيا وثقافيا بما يعزز حرية الفرد والمجتمع ويصون وحدة الاقاليم العراقية اختياريا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

* ويكيبيديا: الموسوعة الحرة  

* معاهدة فرساي: معاهدة بين الالمان والحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الاولى في 28/يونيو/1919م.  

 

 kmkinfo@gmail.com