من رشح هؤلاء للانتخابات العراقية؟
قلنا في مقال سابق إن الدورة التي تسلم ( الراية ) بعد عدة اشهر لمجموعة اخرى من النواب المنتخبين، كانت رغم كل سلبياتها وما جرى في العراق تحت حكم تشريعاتها وسلطاتها وسلوك اعضائها والامتيازات التي حصلوا عليها دون الاهالي الذين وضعوا دمائهم على اكف ايديهم وذهبوا الى صناديق الاقتراع في اول حقبة الارهاب والذبح والتفخيخ بداية عام 2005م، قلت رغم كل ذلك كان البرلمان العراقي ( بدورته وتجربته الاولى ) افضل برلمان في التاريخ السياسي والدستوري في منطقتنا والتي تمر بظروف كظروف بلادنا وشعبنا الذي تعود على مجالس قرقوشية وبرلمانات هزيلة لا تعبر الا عن طبيعة النظام الحاكم منذ تأسيس الدولة في بدايات القرن الماضي وحتى سقوط نموذجها المتخلف في نيسان 2003م.
ورغم ان الكثير من اعضاء الدورة الاولى ايضا لم يك بمستوى التمثيل لشعب مثل شعب العراق ذاق الامرين من القهر والارهاب والدكتاتورية ومن مفاصل مهمة في الدولة الجديدة اكثر سوءً من تلك التي حكمت العراق ما يقرب من نصف قرن؟ فقد كان العضو في المجلس اكثر حرية في التعبير عن رأيه من أي مجلس اخر في المنطقة، بما في ذلك المحسوبين على النظام السابق وبقاياه التي اخترقت صناديق الاقتراع بمباركة من المناضلين وتزكية من الاحزاب الرئيسية، الى درجة إن احدهم تحت قبة البرلمان قال بملئ فمه حينما اتهمه زميل له بالبعثية فرد عليه انه شرف عظيم لي أن أكون كذلك(؟) وتصوروا معي لو كان المشهد معكوسا على ايام المجلس الوطني العراقي، وينبري احد اعضائه قائلا اتشرف بانتمائي لحزب الدعوة او المجلس او الديمقراطي الكردستاني او الشيوعي ماذا كان سيحصل له ولعائلته حتى الجد الرابع!؟
ولنعود الآن الى افواج الفاسدين ممن وصلوا الى برلماننا العتيد في دورته السابقة وممن يشدون الرحال لدورته الثانية، فاذا كان مبررا وجود هذا الكم غير القليل من الفاسدين والمعاقين والملوثين بآثام الماضي في الدورة الاولى لأي سبب فانه من المعيب حقا أن تصل مجاميع اخرى من اولئك المعاقين والسراق والانتهازيين وذوي العاهات السلوكية المعروفة لدى العراقيين الى مجلس النواب بدورته اللاحقة، وخصوصا اولئك الصاعدين على اكتاف المسؤولين الجدد وشركائهم في الظلام ممن يقومون بتنفيذ مآربهم وتجاراتهم ومقاولاتهم من خلف الكواليس، بما في ذلك غسل الاموال القذرة التي استحوذ عليها مسؤولي الغفلة الذين انتجتهم حقبة الاحتلال ومقاولاته وسقوط النظام الفاشي، وممن ساهموا واشتركوا في عمليات السلب والنهب التي اطلق عليها النظام في حينها بالحواسم؟
واذا كانت الدورة الاولى وما رافقها من ارهاصات التجربة الجديدة وغفلة او نية البعض المبيتة في إيصال مجاميع من هؤلاء النواب الى المجلس، مبررة الى حد ما فما بالك أن تصل اليوم مجاميع اخرى ربما اسوء بكثير من اولئك الاولين الذين تمت اعادة تجديد العديد من عضويتهم لا لشيئ الا لأنهم ادمنوا ما ذهبوا اليه ومن اجله وفي كل ذلك ليس للوطن العراقي واهليه أي دخل فيه من قريب او بعيد الا بما يتم استخدامه كوسيلة لتبرير وجودهم هناك؟
حقا من رشح هؤلاء!؟
وكيف تمت عملية تشخيصهم؟ وأي اساس أو آلية تم اعتمادها في ذلك؟ وهل اعتمدت المكونات السياسية وقوائمها السير الذاتية الوطنية والاجتماعية والاخلاقية والسلوكية والمصداقية المالية والشعور العالي بالمسؤولية تجاه الوطن من قبل هؤلاء؟ أم اعتمدت آليات ومواصفات البداوة والعشائرية المقيتة والشللية الحزبية ( الكروبات ) والمحسوبية والمنسوبية التي ابتلينا بها منذ الازل؟
واليوم ربما يتبادر الى اذهاننا وذاكرتنا الكثير الكثير من هذه الاسئلة وغيرها ونحن نشهد انتخابات العراق الثانية وصور وملصقات ودعايات على الجدران والشاشات والاذاعات والصحف لمجاميع من المرشحين الذين تجتمع فيهم وتدور حولهم الكثير من علامات الاستفهام السياسي والوطني والمالي والاجتماعي والاخلاقي والسلوكي في الحقبتين ما قبل سقوط النظام وما بعده طيلة السنوات الستة الماضية، وربما تدور وتحوم معظم الشكوك والتساؤلات حول من تلطخت أياديهم ليس بدماء العراقيين هذه المرة وإنما بأموالهم وشرفهم وسمعتهم ومستقبلهم ممن أدمنوا طيلة اربعين عاما حياة التدليس والامعية والمشاغبة والتسلق والسحت الحرام، في الوقت الذي كان الشعب تحت وطأة الحروب والحصار كان هؤلاء لا يتوانون عن تقديم كل انواع الخدمات لذلك النظام لينعموا بالسلام والأمان والسحت الحرام، بينما يموت المناضلون تحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام وتعيش أسرهم واطفالهم ضنك العيش في ظل الرعب والإرهاب، وحينما سقط النظام وانهارت مؤسساته كانوا اول من استقبل المحتلين ايضا بالاحضان والتدليس والعناق، وشاركوا بكل جدارة في كل عمليات الحواسم المعروفة التي جرت في معسكرات ومقرات ودوائر الدولة ومخازنها ومكتباتها وآثارها وجامعاتها وحتى مدارسها الابتدائية؟
ويبقى السؤال المر لمن رشحهم:
هل يمكن لهؤلاء أن يكونوا شجعانا شرفاء يمثلون الشعب ومعاناته ويدافعون عن مصالح البلاد العليا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق