الخميس، 1 أبريل 2010

هذا المطر من ذلك الغيم؟

هذا المطر من ذلك الغيم؟

على ابواب ظهور نتائج الانتخابات العراقية العامة وقرب اعلان قيام جمهورية العراق الثانية على حد تعبير وزير الخارجية هوشيار زيباري دعونا نطل على السنوات الماضية التي امتلأت سماواتها بغيوم كثيفة حملت كل شيء إلا المطر الحقيقي الذي كانت الارض العراقية العطشى تنتظره بعد سنوات عجاف من الجفاف والجدب والحرمان؟

فحينما بدأت اول حكومة عراقية بتولي مسؤولياتها في عراق دستوري يفترض أن يكون جديدا في نظامه وفلسفته ورؤيته ومعالجاته لذلك الإرث الأسود من تاريخه السياسي وتعاطيه مع المواطن والمواطنة بعد عقود من نظام الحروب والمعتقلات ، تصورنا جميعا بأننا نضع خطواتنا الدستورية الأولى لبناء عراق خال من العنصرية والتطرف وثقافة الموآمرة والتحالفات السوداء تحت شعار عدو عدوك صديقك بصرف النظر عما ستؤول اليه الامور.

ولكي لا نجزئ الموضوع دعونا نتذكر الآن مثلا عراقيا يتداوله ابناء الموصل كثيرا ويقول:
( هذا المطر من ذلك الغيم ؟ )
إشارة الى افعال مورست سابقا وأدت نتائجها لاحقا، فمع تولي الحكومة امور البلاد وشؤونها بعد انتخابات 2005م، كان هناك ملفات مهمة أمامها ولعل في مقدمة تلك الملفات، الملف الأمني ومن ثم ملفات الإرث الأسود لحقبة التعريب والتبعيث والقبور الجماعية والانفال والتشويهات الديموغرافية في كركوك والموصل وديالى الى النجف وكربلاء والحلة وبغداد، وكان المواطن ينتظر ما ستقوم به اول حكومة منتخبة في تاريخه منذ ما يقرب من نصف قرن، ويفترض في من يتولاها أن يكون طاهرا من كل آثام ذلك النظام وأفكاره وسلوكياته بأي شكل من الأشكال، ولعل أهم ما كان ينتظره المواطن هو تطهير جهازي الدفاع والداخلية من الخروقات والاندساسات التي ادخلها الامريكان من صفوف حزب البعث وبقاياه الادارية والعسكرية الى كلا الوزارتين.

وما حصل خلال الاعوام الاربعة الماضية هو مزيد من الخرق والاندساس في معظم مفاصل الدولة الجديدة باستثناء إقليم كوردستان الذي حصن مؤسساته واجهزته واقليمه ضد أي خرق سواء من بقايا النظام السابق او من أي من المتطرفين والإرهابيين بما جعله واحة للسلام والأمان والازدهار، بعد أن اجرى عملية تصالح وإعفاء مشروطة مع تلك المنظمات التي أسسها النظام السابق في الإقليم والتي اثبت الكثير منها خلال أيام قلائل من بدء الانتفاضة وطنيته وارتباطه بمصالح شعبه اكثر من ارتباطه بالنظام السابق، فكان دورا متميزا في كثير من الصفحات ايام انتفاضة الشعب في ربيع 1991م، لقد كانت تجربة الاقليم في غلق ملف المرتزقة واذناب النظام السابق والمتورطين معه بشروط العمل الوطني وعدم العودة نهائيا وبأي شكل من الاشكال الى ذلك الماضي الاسود تجربة رائعة أدت الى استقرار المجتمع والإقليم عموما.
أما ما حصل في بقية انحاء العراق بعد سقوط النظام وما اقترفه الحاكم المدني برايمر من اخطاء كارثية هو ومجموعة الادارة المدنية، اضافة الى التعاون بين بعض مفاصل الجيش الامريكي وبقايا النظام السابق في اقذر عملية عرفتها الشعوب والدول تلك التي سميت بالحواسم حيث تم سلب ونهب كل ممتلكات الدولة ومخازنها ومتاحفها وخزائنها من قبل رجال الحكم المنهار وقيادات البعث وادارييه الذين يمتلكون اسرار البلاد ومخازنها ودوائرها وممتلكاتها مع مئات الآلاف من المجرمين الذين اطلق سراحهم قبل الحرب بعدة اشهر في ما سمي بعملية تبييض السجون، كل ذلك حدث تحت انظار الإدارة الأمريكية في العراق بل وفي كثير من الاحيان بمباركتها وبالذات في محافظات الموصل وكركوك والبصرة وبغداد حتى أطلق كثير من سكان الموصل لقب الرفيق على ( والي ) الموصل بيترايوس حينما كان قائدا للفرقة 101 التي تمركزت في المدينة واطرافها.

وما زال اهالي الموصل يتذكرون تلك الطوابير الطويلة من الرفاق واعضاء الفرق والشُعب من قيادات البعثيين الذين دعاهم ( الرفيق ) بيترايوس لأعلان براءتهم من الحزب ( قالوا للحرامي احلف قال جاء الفرج ) وتعيينهم فورا في اجهزة الشرطة والحرس الوطني والكمارك وحراسة المؤسسات(!)، في أول محاولة للاخوة المحتلين في صناعة الغيوم التي اصبحت امطارا سوداء لاحقا في ما رأيناه منذ اكتوبر 2004م وحتى يومنا هذا؟

والغريب ان مفاصل مهمة جدا في الحكومة الاتحادية في بغداد تصل الى درجة مركز القرار، كانت تحتضن تلك المجموعات الطفيلية من بقايا النظام وحلفائه وشركائه وازلامه وتجار الاجندات الدولية وبالذات الحالمون بولاية الموصل، حيث تمت رعايتهم ودعمهم حتى ان اقتربنا من انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، بانت عورات تلك المفاصل الحكومية في تعاملها مع تلك المجاميع الفاشية ودعمها بقوة من اجل ايصالها الى دفة الحكم ظنا منها بانها ستنجح في الضغط على كتل سياسية وبرلمانية اخرى في تحجيمها او منافستها على السلطة والثروة والنفوذ من خلال دعمها لتلك المجاميع والقوى المعادية اصلا لمبدأ العراق الديمقراطي الاتحادي.
ان استخدام هذه المجاميع كسلعة انتخابية او اوراق ضاغطة ومنحها فرصة التغلغل والاندساس في الحياة السياسية سيترك اثارا بالغة على مستقبل البلاد وسرعة نموها وتطورها، لانها اي هذه المجاميع ما هي الا قوى ساحبة الى الخلف متقهقرة دوما الى الماضي ومحاولة اعادة الحياة اليه او صناعة بدائل مشابهة له، فقد اثبتت الاحداث منذ سقوط النظام انها متورطة تماما في كل انواع العنف في البلاد وهي واحدة من اهم اسباب التخلف الحاصل في العملية السياسية، وانها تقف بشكل مباشر امام تطبيقات الدستور ووضع العصي في عجلات التقدم وابطاء حركة البلاد في الاعمار والبناء معتبرة كل ما حدث ايام النظام السابق بحق ابناء العراق في كردستان ومدنها أو اهوار الجنوب ومدنه منجزات او في اتعسها مجرد اخطاء وتجاوزات، وهي بحق نتاج تلك الغيوم السوداء التي تمطر اليوم سموما واحقادا تشوه الزرع وتجفف الضرع وتلوث البيئة السياسية للعراق الجديد.

فهل سينجح هؤلاء الذاهبون الى مجلس النواب في اقامة الجمهورية العراقية الثانية التي ستطوي الى الابد تلك ثقافة العنصرية وعقلية التفرد والاستبداد، وتوقف انتاج تلك الغيوم الملوثة والامطار السامة؟

ليست هناك تعليقات: