الخميس، 1 أبريل 2010

العشائر والانتخابات العراقية؟

من الصعوبة بمكان أن يتكهن المرء أو المراقب للإحداث الجارية في عراق يتحول إلى نظام اجتماعي وسياسي يتقاطع مع كل ما ورثه من نظم وتقاليد وأعراف وسلوكيات وثقافة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية على المستويين الفردي والجمعي، شكل ونوع المجلس النيابي القادم على ضوء المعطيات التي تفرزها هذه المرحلة الانتقالية، حيث سيادة العقلية القروية والعشائريات المقيتة والمتخلفة والمغمسة بالمذهبية والمناطقية التي قسمت العراق لا إلى جهاته الأربعة المتعارف عليها بل إلى آلاف القرى ومئات البلدات والمدن وما يتبع ذلك من عشائر وقبائل وشيوخ وأغوات ورؤساء أفخاذ وأرجل وانتماءات وولاءات ومواطني الداخل ومعارضي الخارج والتي لها علاقة بأي شيء إلا العراق ويمكن تعريفها بأي مفهوم إلا مفهوم المواطنة العراقية التي تعلو على أي شيء؟

فقد أدمنت كثير من هذه المكونات القبلية ومفاصلها الإدارية ( الشيوخ بموديلاتهم الثلاث وبالذات أولئك الذين تمت صناعتهم وتطويرهم في مختبرات دائرة العشائر في ديوان الرئاسة الأسبق- رئاسة صدام حسين ) الإلحاق بالسلطة والحكومة والعمل معها بأي شكل من الأشكال الذي يوفر لها المال والغرائز والوجاهة والحصول على الامتيازات الباطلة على أسس المكانة العشائرية وكمية الخدمات الخاصة التي تقدمها للسلطة في أشكالها الفردية أو الحزبية أو المالية، وقد شهدنا خلال العقود الأربع الماضية دور أولئك الشيوخ والوجهاء ( إلا القلة القليلة منهم ) في مآسي العراق وبالذات في الحروب التي أنتجها النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد كان دور هذه المجاميع دورا شائنا حينما تحولت إلى أفواج من المرتزقة التي أطلق الشعب عليها تسمية ( الجحوش ) في كوردستان العراق وشاركت في عمليات الإبادة الجماعية والسلب والنهب وتخريب المجتمع طيلة ما يقرب من أربعين عاما.

وفي بقية أجزاء العراق لم يكن دورها اقل من تلك المجاميع في الشمال فقد كانت عيون النظام ومسامعه في مراقبة المعارضين والمقاومين له وساهمت في معظم عمليات التغيير الديموغرافي في محافظات الموصل وكركوك وديالى وتكريت وبغداد وغيرها من مدن العراق، وبينما كان الشعب يتلوى جوعا وفاقة من اثر الحصار بمرتبات لا تتجاوز عشرة دولارات شهريا، كان شيوخ العشائر يتلقون ملايين الدنانير من رأس السلطة في بغداد مقابل تلك الخدمات الخاصة التي كانوا يقدمونها للنظام.

ولن ينسى العراقيون مواقفهم أيضا عشية سقوط النظام وقيامهم بعمليات الحواسم في النهب والسلب بالاتفاق مع النظام السابق لكل ممتلكات الدولة ومخازنها بما فيها مقتنيات وأثاث القصور الرئاسية في العاصمة بغداد والموصل وتكريت والبصرة إلا من استحى من تاريخه وسمعة أجداده وللأسف كانوا قلة لا تخضع للقياس العام.

ومنذ تولي الحاكم الأمريكي ولاية العراق بعد هروب رئيسه المشين وانهيار جيشه وتبخره في ساعات انقلبت هذه المجاميع إلى أكثر الحلفاء حنانا وحبا للحاكم الجديد وأكثرها تنسيقا أيضا مع ما يسمى بالمقاومة فهي التي تتغدى على موائد الحاكم الأمريكي وسفيره بينما تفتح أبواب مضايفها وبيوتها لأمراء القاعدة ورفاق الأمس القادمين من دهاليز عواصم دول الجوار ومخابراتها، وهكذا تعمل منذ سقوط النظام السابق وحتى يومنا هذا حيث تضع رجلا في الجنة وأخرى في النار طمعا في الاثنتين كما فعلها احدهم حينما سألوه عن معنى أن يكون احد ولديه مع الإمام علي بن أبي طالب والآخر مع معاوية ابن أبي سفيان فقال: مع الأول لا اخسر نصيبا من الجنة وفي الثاني ابقي على نصيبي من الدنيا!؟

واليوم وقد بدأت عمليات الهرولة العشائرية باتجاه غنائم الانتخابات ومقاعد مجلس النواب المسيلة للعاب التنابلة والانتهازيين من متربصي الفرص ومنتهزيها ومساحي الجوخ ومدمني السحت الحرام والأموال القادمة دون جهد أو تعب يساويها.

إنهم مجاميع من بعض شيوخ ورؤساء الأفخاذ الذين تنتجهم الأنظمة الفاسدة عبر التاريخ وليس عبر ديوان رئاسة صدام حسين فقط التي أبدعت في تصنيفهم إلى موديلات أ و ب وج ومستويات أدنى وأعلى حسب ما يستطيع ذلك الشيخ أن يجرجر وراءه أعدادا من المرتزقة على أشكال ما كان يفعله أمراء الأفواج الخفيفة وسرايا أبي فراس الحمداني المعروفة في إقليم كوردستان بــ ( الجحوش ) سيئة السمعة والصيت، التي لم تكن تتوانى عن قتل أو نهب وسلب ذويها من أجل مصالحها وجيوبها لدى النظام.

والغريب إن معظم القوى السياسية الفاعلة اليوم ما زالت تعتمد تلك المجاميع من الشيوخ الذين أدمنوا منافقة السلطات والتعامل مع كل أشكالها وأنواعها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث بدأت مؤتمرات رجال المهمات الخاصة في التدليس وحياكة التوافقات والأحلاف العشائرية لصالح مرشح أو مجموعة مرشحين يتم نقلهم إلى مجلس النواب القادم ولكل ( رأس ) أو ( نفر ) من المرشحين ثمن بلغ حسب ما تناقلته الأخبار في كثير من المحافظات الشمالية ( نينوى، كركوك، ديالى، تكريت ) ما بين ثلاثين وخمسين ألف دولار، بينما تقول الأخبار القادمة من الشارع الجنوبي والغربي إن السعر يتراوح هناك بين العشرين والثلاثين إلف دولار للمرشح الواحد يتقاضاه الكيان أو الحزب المتنفذ في المنطقة؟

وإذا ما صدقت مثل هذه الأخبار ( وليس هناك دخان بلا نار ) ستكون ملامح المجلس النيابي القادم واضحة جدا، خصوصا إذا ما عرفنا إن دول الجوار ما زالت مصرة على أن يكون لها ممثلين فاعلين في المجلس القادم؟

ليست هناك تعليقات: